وادي حلفا: التحول
تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في مدينة وادي حلفا أقصى شمال السودان على خلفية إدراج المنطقة لجدول قطوعات الكهرباء، بإقبال المحتجين على إغلاق الطريق القومي فيما رفعوا سقف المطالب ليشمل حقوقالمنطقة في الموارد، من عائدات التعدين ودخول المعابر مع جمهورية مصر.وتسجيل الأراضي الزراعية للجمعيات بالمنطقة.
وتواصلت الاحتجاجات السلمية في يومها الثالث وتدافعت جموع المواطنين في مواكب جماهرية سلمية هادرة من كل أحياء المحلية نحو مكتب كهرباء المحلية.
وعبر مواطنو مدينة وادي حلفا عن استيائهم العميق من قرار إدراج المدينة في برمجة قطوعات الكهرباء، معتبرين أن القرار يمثل نكسة كبيرة وخيبة أمل بعد الوعود التي أطلقها والي الولاية خلال زيارته الأخيرة للمدينة.
وأغلق المجتجون الطريق العام وأقفوا القوافل التجارية التي كانت في طريقها إلى محافظة إسوان بجهورية مصر العربية عبر معبر أرقين الحدودي، واصطفت الشاحنات على جانبي الطريق في طابور طويل.
ونصب المحتجون الخيام الذي استمر ساعات طويلة حتى المساء ونظموا مخاطبات جماهيرية تخللتها فقرات غنائية مع حضور لافت للنساء في قيادة الاحتجاجات وشاركت بعضهن في مخاطبة المسيرة، ما يعكس أهمية ومكانة المرأة النوبية.
خطاب شديد اللهجة:
وقال الأهالي في خطاب شديد اللهجة إنهم استبشروا خيرًا عندما اختار الوالي مدينة وادي حلفا لتكون أولى محطاته بعد توليه المنصب، خاصة بعد أن استمع بنفسه لمعاناتهم التاريخية خلال اجتماع موسع، ووقف ميدانيًا على التدهور في الخدمات والبنية التحتية، إلا أنهم فوجئوا بصدور قرار وصفوه بـ”الصادم” يضاعف معاناة السكان، ويقضي بإدخال المدينة في برمجة قطوعات الكهرباء رغم أنها تعاني أصلًا من ضعف في الإمداد.
وجاء في الخطاب: “كنا ننتظر بداية تنفيذ الوعود، فإذا بنا نصطدم بقرار لا يمكن وصفه إلا بالخداع المعهود من الحكومات الولائية المتعاقبة. لقد شبعنا من الوعود الكاذبة التي سُقينا مرارتها، ولن نسكت بعد اليوم، فقد بلغ السيل الزُبى وطفح الكيل.”
استدعى الأهالي في خطابهم التاريخ النضالي للمدينة، مذكّرين بمواقفهم الثابتة منذ عهد نظام عبود، حين رفضوا مشروع التهجير رغم سحب الحكومة لخدماتها، مؤكدين أنهم قادرون على تكرار ذات المواقف بإرادتهم وبما يمتلكونه من موارد داخلية، بالإضافة إلى عمقهم الاجتماعي الممتد نحو شمال الوادي.
وختموا بقولهم: “إذا كانت هذه الولاية ترى في وادي حلفا عبئًا، فلتتركنا غير مأسوف علينا. نحن أبناء وأحفاد من تحدوا الطغيان، وحلفا ستبقى عصيّة على كل من يحاول النيل من عزيمتنا.”
ويأتي هذا التصعيد الشعبي في ظل تزايد التوترات بين سكان المدينة والسلطات الولائية، ما قد يُنذر بخطوات تصعيدية أكبر في حال لم يتم التراجع عن القرار، أو الاستجابة للمطالب العاجلة بإعادة النظر في السياسات التي تمس حياة المواطنين في حلفا.
وفي السياق قررت مجموعات شبابية رفع سقف المطالب ليشمل الحق في موارد المحلية من عائدات التعدين والمعابر والجمارك مع مطالبتهم بتسجيل أراضي زراعية للجمعيات التعاونية بالمنطقة.

دعوات للاستقلال الإداري والتصعيد
طالب المحتجون بإخراج مدير كهرباء حلفا من المدينة فورًا، والتراجع الكامل عن إدراج المدينة في البرمجة، مؤكدين أنهم سيتجهون نحو خطوات تصعيدية تشمل إغلاق المدخل الرئيسي للمدينة وتعطيل الحركة التجارية حتى الاستجابة لمطالبهم.
كما طُرح مجددًا مطلب استقلال حلفا إداريًا عن الولاية الشمالية وتحويلها إلى محلية مستقلة عن دنقلا، في ظل ما وصفوه بـ”الاستهداف المستمر” وتجاهل حقوق المدينة في الإيرادات والخدمات.
ووجدت القضية تعاطف وتضامن واسع من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مستصحبين المظالم التاريخية التي تعرض لها أهالي وادي حلفا منذ التهجير، وتأييد حقهم في الاحتجاج على المطالبة بحقهم في خدمة إمداد تيار كهربائي مستقر دون إدراجهم في جدول قطوعات الكهرباء، خاصة وأن الإمداد الكهربائي يتبع للربط الكهربائي بين مصر والسودان وتخصيص حصة لأهالي وادي حلفا ضمن تعويضات التهجير للمتضررين من بناء السد العالي.
ويدافع العديد من الشباب والمنظمين للاحتجاجات عن موقفهم متمسكين بهذا الحق بحجة أن التعويضات لايمكن مشاركتها مع الآخرين، ردا على حملات إسفيرية من بعض مؤيدي السلطة الحاكمة برزت منذ الأمس بأن الوقت لحرب الكرامة مع حملات تحريض بقتل كل من يخرج في احتجاجات ضد السلطة الحاكمة.
رفض تام لبرمجة القطوعات:
من جانبه، قال محمد الفاتح بشنق، عضو لجان المقاومة بوادي حلفا، إن قرار البرمجة قوبل بالرفض التام من كافة مكونات المدينة، موضحًا أن المدينة تؤوي مئات الآلاف من النازحين والمرضى، وتفتقر إلى البنية الصحية والخدمية التي تسمح بتحمل قطوعات طويلة. وأشار إلى أن الكهرباء في حلفا تأتي من السد العالي كمقابل تاريخي لتهجير السكان وغرق المدينة، ولا يجوز إخضاعها لأي برمجة.
وأضاف القيادي المدني في تصريح خاصة لصحيفة “التحول” أن المدينة شهدت أمس وأول أمس وقفة احتجاجية حاشدة أمام مكتب الكهرباء، استمرت لساعات حتى وصول المدير التنفيذي للمحلية، الذي أشار إلى أن القرار تم اتخاذه على مستوى اللجنة الأمنية ورفع للوالي الجديد، في خطوة وصفها الأهالي بـ”المتعمدة والمهينة”، لكون المدينة “لا تستهلك سوى نسبة ضئيلة من الكهرباء، ولا جدوى من قطعها عنهم لصالح مدن أخرى”.