Site icon صحيفة التحول

إهداء إلى الساحر لؤي عبد العزيز وثلة المبدعين في الأوركسترا الذهبية

مجدي-عبدالقيوم-كنب

في رثاء ود اللمين

عندما توقف زورق الألحان عن الابحار ودخل الغناء بيت الحبس

ترجل الباشكاتب بعد أن أشعل فينا “الثورة” وجذوة “الريد”

مجدي عبد القيوم(كنب)

سكت المغني
سكت
بكت الكمنجات
اتكت
ما بين دموعها
ودهشتا
مشت المقامات
الحفا
انسدل حلق الاغنيات
المرهفه
محجوب شريف

علي حين غرة غافلنا الباشكاتب ورحل عن الدنيا بعد أن ستف مساماتنا طربا وحلق بنا لسنوات في سماوات من المتعة والدهشة
رحل بعد أن ابحر بنا علي زورق من الالحان الشجية و الموسيقي العجيبة والحرفية العالية والدقة الصارمة في التنفيذ
بسبب الحرب اللعينة التي رزأت بها البلاد التي طالما تغني بعشقها الباشكاتب وعلمنا كيف نعشقها رحل دون حتي تشييع يليق به كأحد أهم اساطين الفن في البلاد فقد كان حفيا بان تقف البلاد علي”فد رجل” وهي تودعه الي مثواه الاخير وان تنكس له الاعلام في سارياتها
كان خبر وفاته جديرا باصابة البث الاذاعي بالسكتة القلبية فما من موجة اثير تحتمل هكذا نبأ ولا من صورة تلفزيونية قادرة علي النقل والا اصيبت بالعمي والطشاش
رحل بلا ضجيج يصاحب وفاة الرموز وهو الذي ينبغي أن يسبب رحيله زلزالا مدمرا علي مقياس ريختر الفني
يصيب بالخرس كل الالات الموسيقية
يا ويح هذه البلاد التي لا تستطع حتي تابين رموزها ولعل عبارة البروف علي المك وهو يرثي المبدع ابو داؤد بأن امدرمان دخلت”بيت الحبس” تليق بالمقام لكنها ليست امدرمان لوحدها بل الغناء نفسه بعد ان مزق النوتة وكسر الالات واضرم النار في النصوص واتشح بالسواد ثم انزوي في ركن قصي ليكمل عدته
لعل الكتابة عن فنان بقامة الراحل محمد الامين عصية حتي علي ناقد متخصص في فن الغناء دعك عن مستمع عادي
حين كنا لم نزل بعد توا نغادر ميعة الصباء ونسرق الخطي نحو بواكير الشباب والقلب اخضر نطارد الاحلام والامنيات كفراشات تحوم ولا تجد لها مستقرا لا في غصن وريف ولا زهرة تتفتح القا وجمالا
في تلك السنوات طرق مسامعنا صوت الباشكاتب من بين ثلة مبدعين صاغوا وجدان الشعب السوداني
لمن نكن بعد ونحن في ذلك العمر قد عرفنا شيئا عن الأصوات ولا التأليف الموسيقي والتوزيع ولا معني التصوير الدرامي للنص ولا حتي انماط الشعر فقد كنا محض ذائقة فطرية ربما يدهشها أكثر من ما يهزها طربا ذلك السحر في لحن “زي الهواء” وتعجب لتلك التقاسيم في صوت الناي والايقاع والات الاوركسترا المختلفة واللزمات والجمل الموسيقية والتطابق بين اللحن الموسيقي والنص الشعري حتي تكاد تري العندليب الأسمر وهو يرمي الورد ويطفي الشمع والعبرة تخنقه لينقل لك عبقرية الملحن بليغ حمدي وموهبته الغذة ونبوغه الفني وكذلك كنا نري الباشكاتب وكان العبقري التجاني قد عناه وهو يقول
صح في الربي والوهاد
واسترقص البيدا
واسكب علي كل ناد
ما يسحر الغيدا
وفجر الاعواد
رجعت وترديدا
حتي تري في البلاد
من فرحة عيدا
وامسح علي زرياب
واطمس علي معبد
يا لعبقرية وابداع الموسيقار الملهم وانت تستمع لمبارزة فنية بين عازفين متمكنين وهم يلعبون علي الالات حتي تكاد الصوله تنطق بلسان فصيح مبين وبين رعشة الاوتار بين اصابع الباشكاتب وهو يفجر الاعواد رجعا وتريدا واحيانا نقرة كأنه يوقع أو يمضى لتتملكك الدهشة وتحتار في امر هؤلاء السحرة وتتساءل من أين يأتي بهولاء العازفين
انهم ثلة من المجانين ليس الا يمكن أن يوردون موارد تهلكة هم وكبيرهم الذي علمهم السحر
هكذا ينبغي أن يكون العزف
طاردنا ود اللمين وسكنا بين اوتار العود والانامل الذهبية وصعدنا شلالات الموسيقي التي تتدفق من سوف يأتي وبكينا مع صولو الكمنجة وتحن بعد لم نزل نتعلم من الأيام قبل أن يبك هو مع الساحر الأسمر لؤي عبد العزيز تلك”البكيه” التي غيرت تاريخ المناديل وصفاتها في المخيال الشعبي فبدلا عن مطرزة حولتها لمبللة بالدموع الثخينة
تلك البكيه التي “غلبت اللقاط” لملم دمعها الاتشتت صاحب حاطب ليل المبدع عبد اللطيف البوني ففسر ابعادها وكيف انها تحولت لسحابة من الشجن ظلل غيمها حتي العازفين فبكت المزامير واختنق الايقاع بالعبرة ولعل ذلك الاحساس العميق من ابرز سمات الباشكاتب
يتميز كذلك الباشكاتب الاهتمام بالتفاصيل وتلك سمة المبدعين علي قول الفرنجة الذين ذلك معيارا للتفريق بين الإنسان العادي والمبدع
ذات حفل باذخ عقب ثورة ابريل بنادي التنس وكان الباشكاتب حريصا علي أن يكون بالمدينة انهي الفاصل الأول قبل الساعة الثانية عشر منتصف الليل بدقائق قبل أن تعود الاوركسترا الذهبية بعد الثانية عشر بدقائق والصالة في حالة اظلام تام وهي تعزف مقطوعة “لن ننسي اياما مضت” وما أن فرغت حتي عادت الاضاءة مع صعوده للمسرح وهو يهنيء الجمهور بالصالة والشعب السوداني قاطبة بأعياد الميلاد والاستقلال ومن ثم انطلقت الحنجرة القوية صادحة
الالف
اللام
السين
الدال
الالف
النون
السودان الوطن الواحد
ما قد كان وما سيكون
ولتغلي الصالة كالمرجل
وعندما وصل للكوبليه
ديمقراطية
بلا امية
بايدي قوية
نحفر اعمق
ونرمي الساس
الحرية بلا دورية ولا تفتيش
ولا حد ينداس
للسودان الوطن الحر
مرفوع الراس
بدأ وكان زلزالا قد ضرب الصالة
يا لذياك البهاء ويا لعظمة الفنان عندما تحتشد جوارحه بحب الوطن ويعبيء مساماتك بالهتاف والنشيد له
بلي الهمنا الباشكاتب وغرس فينا حب الوطن تماما كنده الفرعون النوبي وهو يوزع لنا برنامج مشروع العدالة الاجتماعية ك”بديل” ‘نحلم بيهو يوماتي”
وطن بالفيهو نتساوي
نحلم نقرأ
نداوا
مساكن
كهرباء
ومويه
وهكذا ينبغي أن يكون صاحب الرسالة
في تلك السنوات النضرات عشقنا حتي رائحة حبر الجرايد بعد أن سمعنا الجريدة وبتنا ونحن الذين لم يبلغوا الحلم بعد ولم تعرف قلوبهم الحب ولم يزورها”الريد” ولا ضرب لنا “موعد” نسرح بخيال مراهق ونحلم بمداعبة خصلات الشعر في ضفيرة طائشة لحسناء تهوم بعيدا لنباغتها “سارحه مالك”
ولم يمض طويل وقت حتي قدمنا ونحن ثلة طلبا سلمناه باشكاتب مصلحة الحب والثورة في بلادنا بان نكون من زمرة المريدين
عشنا بكل جوارحنا مع
” وعد النوار” وعرفنا كيف تخرج الصورة من الاطار لتتجسد وتقبل عليك وهي”تقدل”تحتشد بالجمال الباذخ حتي تخالها ملاكا سماويا هبط علي مفترق الطرق بين الشرايين والاوردة ولا يسعك انئذ إلا ان تتمني أن تكون همسة في حلم الاميرة
شبت قلوبنا ونمت مع الباشكاتب وهي تهفو لسماعه كلما عانت ارتعاشا ووخزا في ليالي الشجون المترعة أو عند سفر تترجي فيه عزيز بصرف النظر عنه وانت تستحلفه بنبضك ووجيب قلبك
حين خطونا في دروب العمر وفي ذروة انبثاق الوعي انتبهنا لنمط غنائي عند الباشكاتب يحمله الصوت الجهير وهكذا عرفنا الملحمة والتي وضعت خطانا علي درب الثورة الوعر شائك المسلك ورويدا رويدا بدأنا نتلمس تلك العبقرية المدهشة وعشنا مظاهرات أكتوبر من خلال تلك اللوحة التي رسمها بالكلمات المبدع هاشم صديق وجسدها الباشكاتب بالتصوير الدرامي للنص الشعري لحنا وتوزيع موسيقي واداء كورالي
يا لعبقرية الباشكاتب وهو يدخل بعد المقدمة الموسيقية
نجم الليل الظالم طول
فجر النور من عينا اتحول
كنا نعيش
الماضي الأول
ماضى جدودنا الهزموا الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي
وما يلبث أن يزجك بك في قلب تلك التظاهرات بكل عنفوانها حتي تكاد تشتم رائحة البمبان
وفي ليلة
وكنا حشود بتصارع
عهد الظلم
الشب حواجز
شب موانع
جانا هتاف من عند الشارع
قسما قسما
لن ننهار
طريق الثورة
هدي الأحرار
ومن ثم يحبس انفاسك بضربة الكاس ليدخلك وسط تلك الحشود الثائرة
والشارع ثار
وغضب الامة اتمدد
نار
والكل يا وطني حشود ثوار
وعندها تدخل في تلبيشه تجعل كاد تسمع ازيز الرصاص ورزاز الدم
انها الياذة الغناء الوطني بلا شك وتتجلي فيها قدرة الباشكاتب العجيبة علي التصوير الدرامي للنص الشعري لحنا واداء وهو الملك المفتوح في هذه الخاصية بلا منازع ولعلك تبكي وانت تستمع للمقدمة الموسيقية للأغنية التراثية غرار العبوس حتي قبل أن يبدا الغناء بلحن حزين مليء بالشجن الكثيف
يا ويح قلبي علي وطني
وطني الذي تتقاذفه الان الانواء وليس من شارع تحتشد مساماته بالهتاف وبالنشيد وهو احوج ما يكون
من وضع المتاريس امام حركة الشارع فلم تعد هناك” ليلة متاريس” ولم يعد هناك “فاروقا” ولا نجما بازغا ولا قائدا ملهما في زمان يتنازعه الانبياء الكذبة وربائب اليانكي وعملاء الاعراب الذين يعملون علي تفتيته
من يغني للسودان الوطن الواحد
ما قد كان وما سيكون
حتما وكما اوصيتنا( حا نبقي عشرة علي المباديء)

ابو اللمين
عفوا
حتي الكتابة عنك حرمتنا الحرب الضروس منها فنرجو المعذرة أن اتت بعد ان أصبح شانها شان”الفاتحه في المخيال الشعبي وبدلا عن أن تكون فى “الرجول بقت في الوش”
لك العتبي في عليائك
طب مرقدا
تنزلت عليك شابيب الرحمة

مجدي كنب
بورتسودان
١٨ مايو ٢٠٢٥

Exit mobile version