الفاشر ـ الخرطوم: التحول
شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيدًا داميًا جديدًا بعد أن أعلنت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني عن مقتل 35 مدنيًا وإصابة 40 آخرين، جراء قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع على أحياء سكنية بالمدينة مساء الخميس. في وقت أفادت تقارير ميدانية بمقتل 13 مدنيًا – بينهم أربع نساء – في حي “مكركا” جنوب الفاشر، نتيجة قصف متعمد من قوات الدعم السريع. كما قتل 3 أطفال من أسرة واحدة في الفتيحاب.
وأوضح الجيش في بيان أن القصف طال مناطق مأهولة بالسكان، مشيرًا إلى أن من بين الضحايا نساءً وأطفالًا وكبار سن، في وقت نقل فيه المصابون إلى مستشفيات ميدانية تفتقر إلى الحد الأدنى من الإمكانيات الطبية. وذكر البيان أن قواته تصدت كذلك لهجوم على المحور الشمالي الشرقي، وكبّدت قوات الدعم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
وفي تطور مأساوي آخر، نعت غرفة طوارئ معسكر أبوشوك للنازحين بمدينة الفاشر الطبيبة فردوس الطيب موسى، التي قالت بأنها استُشهدت أثناء توجهها إلى مركز صحي داخل المعسكر لتقديم العلاج للنازحين، قبل أن تصيبها قذيفة مدفعية. وأشادت الغرفة بسيرتها في العمل الإنساني، مؤكدة أنها “مثال للتفاني في سبيل خدمة الناس”.
وفي السياق ذاته، أفادت تقارير ميدانية بمقتل 13 مدنيًا – بينهم أربع نساء – في حي “مكركا” جنوب الفاشر، نتيجة قصف متعمد من قوات الدعم السريع. وأدانت شبكة أطباء السودان ما وصفته بـ”القتل الممنهج” ضد المدنيين، متهمة قوات الدعم بخرق القرارات الدولية ومطالبة المجتمع الدولي بفتح ممرات إنسانية عاجلة.
وأدانت شبكة أطباء السودان في بيان اليوم السبت بشدة، عمليات القتل الممنهج التي تمارسها الدعم السريع بولاية شمال دارفور ضاربة بكل القرارات الدولية عرض الحائط في تحدٍّ واضح للمجتمع الدولي ومجلس الأمن.
وطالبت الشبكة، المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لرفع الحصار المضروب ووقف الإبادة الجماعية بكسر الحصار وفتح ممرات إنسانية عاجلة لأكثر من مليون شخص أغلبهم من الأطفال والنساء المهجرين من ولايات دارفور ومعسكرات النزوح.
وفي ولاية الخرطوم، قُتل ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في منطقة الفتيحاب جنوب أم درمان، إثر سقوط قذيفة على منزلهم. وتكررت حوادث مشابهة خلال الأسبوع الجاري، حيث أودت قذائف عشوائية بحياة عدد من المدنيين في أحياء متفرقة.
وتشير تقديرات منظمة اليونيسف إلى أن أكثر من 825 ألف طفل يعيشون في محيط الفاشر “في جحيم على الأرض”، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية واستمرار القتال منذ العاشر من مايو 2024.
وفي تطور آخر، أعلنت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر عن اندلاع مواجهات عنيفة بين المقاومة الشعبية في منطقة “بروش” بمحلية أم كدادة وقوات الدعم السريع التي حاولت اقتحام المنطقة، وسط مقاومة وصفتها بـ”الشرسة” من السكان المحليين.
تصاعد القصف في أمدرمان:
في محلية أمبدة، أعلن متطوعون مقتل 151 مدنيًا وإصابة 280 آخرين منذ مطلع أبريل، في اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع التي لا تزال تتحصن في مناطق بدار السلام وأمبدة. كما وثقت غرفة الطوارئ هناك اعتقال 317 شخصًا خلال الشهر الجاري من قبل القوات المتحاربة.
وأكدت مصادر محلية، بحسب موقع “سودان تربيون” الإخباري، توقف جميع المستشفيات الكبيرة في أمبدة، بسبب مغادرة الأطباء المنطقة خوفًا من الاعتقال، إضافة إلى انعدام الإمدادات الطبية وانقطاع الكهرباء الذي أدى إلى توقف آبار المياه، ما رفع سعر برميل المياه إلى أكثر من 38 ألف جنيه سوداني.
ويحذر ناشطون من كارثة إنسانية وصحية وشيكة، في ظل الحصار والاشتباكات المستمرة، مع ارتفاع الأصوات المطالبة بتدخل عاجل لتأمين وصول الإغاثة ووقف الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.
وتشهد مدينة الفاشر ومخيمات النازحين بولاية شمال دارفور، حالة من الانهيار الإنساني والأمني، وسط تصعيد عسكري تقوده قوات الدعم السريع ضد المدنيين في معسكري زمزم وأبوشوك، بالتزامن مع حملات اعتقال ممنهجة في مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.
وفي وقت لا تزال فيه المدينة تحت الحصار، كشفت تنسيقيات محلية وهيئات طبية عن ارتكاب قوات الدعم السريع مجازر مروعة بحق نازحي زمزم وأبوشوك، وسط استخدام الطائرات المسيّرة في قصف الأحياء، واستهداف ممنهج للكوادر الطبية ومرافق المياه والصحة، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، وانهيار تام للمنظومة الصحية والإنسانية في المدينة.
وفي سياق متصل، كشفت “شبكة أطباء السودان” عن قيام قوة تابعة لقوات الدعم السريع باعتقال 154 شخصاً، بينهم 31 امرأة وطفلاً، في ظروف بالغة السوء بمنطقة الصالحة جنوبي أم درمان. ووفقاً لأحد الناجين، فإن المعتقلين تم اقتيادهم من عدة مناطق بأم درمان، واحتُجزوا دون تهمة واضحة.
ووصفت الشبكة في بيان رسمي هذه الممارسات بأنها شكل من أشكال الاحتجاز القسري والترهيب الجماعي، حيث تُمارَس ضد مدنيين عزّل بهدف ابتزاز أسرهم لدفع فدية مالية أو لإجبارهم على مغادرة منازلهم والنزوح لمناطق تابعة للجيش، بما يُتيح تحويل المناطق المدنية إلى مواقع عسكرية.
وأدانت شبكة أطباء السودان بشدة هذه الانتهاكات، محملة قيادة قوات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن حياة المحتجزين، ومطالبة بالإفراج الفوري عنهم، مشيرة إلى أن الدعم السريع سبق أن مارست هذه الأساليب في الخرطوم والجزيرة، حيث تم العثور على جثث لمئات الضحايا في مواقع احتجاز خاضعة لسيطرتها.
يُذكر أن الوضع في الفاشر يمثل نقطة تحول خطيرة في الصراع السوداني، إذ تُحذر منظمات حقوقية من أن ما يحدث في دارفور وأم درمان يُشكل جرائم ضد الإنسانية، تتطلب تحقيقًا دوليًا ومساءلة عاجلة لمرتكبيها.