spot_img

ذات صلة

جمع

الفاشر على حافة الانفجار: تصاعد القتال، مأساة النازحين، وتجاذب المواقف حول مصير المدنيين

الفاشر: التحول تشهد مدينة الفاشر ومحيطها بإقليم دارفور أوضاعًا...

2 مليار و700 مليون دولار خسائر قطاع النقل ودعم كويتي بـ 700 ألف دينار

الخرطوم: التحول مدينة الجسور المُعلّقة، هكذا كان بعض أهالي الخرطوم يطلقون...

الفاشر تنزف وطويلة تحتضن من تبقى منهن.. نساء دارفور وحكايات النزوح القسري في رحلة المعاناة مابين الوجع والجوع

طويلة، شمال دارفور: التحول

تحت أشعة الشمس القارصة، وعلى طريق ملئ بالخوف والعطش، تقطع نساء دارفور مسافات طويل بالأرجل والدواب، بأطفالهن بعضهن على الأكتاف، وآخريات فقدن الطريق. لا يعرفن إن كانت هذه الرحلة إلى النجاة أم إلى موتٍ آخر، أكثر بطئًا.

الطريق “غير الآمن” من “فاشر السلطان” إلى طويلة لم يكن معبّدًا إلا بالدموع والجوع.
يقول آدم رجال المتحدث الرسمي بإسم معسكرات النازحين واللاجئين في دارفور في هذا السياق لـ” التحول”:خمسة وأربعون أسرة وصلت يوم الجمعة 4 أبريل، تسير بخطى مثقلة، بعضها على عربات الكاروا، وبعضها فوق الدواب، وأغلبهم على الأقدام… يمشون تحت السماء المفتوحة، يتعثرون في صمت الحصار، وتلاحقهم قذائف المدفعية وأزيز الطائرات”.

الماء أغلى من الذهب:
من خرجوا من الفاشر لم يحملوا سوى ما تبقّى من أرواحهم المنهكة. يقول أحدهم: “العيش اختفى من السوق، والماء أغلى من الذهب… الجركن بـ1500 جنيه، وما في شيء نشتريه أصلاً.”
الحرب حرمتهم من كل شيء: الغذاء، الدواء، والكساء بل حتى الحق في أن يشربوا ماءً نظيفًا.

في محلية طويلة، وجدوا بعض الأمان، لكنه أمان هش.. بلا عمل، بلا دخل، فقط الانتظار الطويل أمام مكاتب المنظمات الإنسانية. تلك المنظمات نفسها تعجز عن استيعاب الأعداد الكبيرة من الوافدين.

الرحلة من الألم إلى المجهول
يقول آدم رجال:ثم وصلت 25 عائلة أخرى قبلهم بيوم، في 3 أبريل، قادمين من الفاشر، مخيم زمزم، شقرة، والقرى المجاورة. استغرقت رحلتهم أربعة أيام، حملوا فيها أطفالهم على الكارو، وعلى ظهور الدواب، وتبادلوا أدوار الصبر والرجاء.

وتابع قائلاً:من وصل، لم يجد شيئًا سوى أرض طويلة، وأمل طويل، وعلامات الجوع على الوجوه. بعضهم لم يحتمل المشقة والتعب والمعاناة، ونُقل مباشرة إلى مستشفى أطباء بلا حدود.وأما الغالبية من النساء والأطفال وكبار السن. عيونهم تبحث عن دواء، عن ماء، عن مأوى… عن أي شيء يرمّم ما هدمته الحرب.

297 أسرة… وألم لا يُحصى
ويستمر آدم في سرد تفاصيل النزوح القسري ويقول: فمنذ يناير، توافدت أسر كثيرة من غرب الفاشر ومخيماتها. البعض سار عبر الوديان، والبعض اختبأ في أطراف الجبال.
الآن، 297 أسرة نازحة تستقر مؤقتًا في طويلة. لكن الحياة هنا لا تشبه الحياة. إنها فقط بقاء. مجرد محاولة للبقاء.

النساء هنا يحملن فوق أكتافهن وجعًا لا يُرى، فقدن بيوتهن، أزواجهن، وربما أبناءهن.
الأطفال لا يسألون عن المدارس، فقط عن شيء يسد جوعهم.

النداء الأخير
في وجه هذه الكارثة، كما يقول آدم رجال المتحدث الرسمي بإسم معسكرات النازحين واللاجئين في دارفور لـ”التحول”: “مع هذه المآسي والألم لا نملك سوى النداء الإنساني والعاجل: “نناشد الأمم المتحدة، ووكالاتها، وكل من يستطيع أن يسمع، أن يتدخل بسرعة، فهذه ليست أزمة إنسانية فقط… إنها لحظة موت سريري لحياة شعب بأكمله”.

“أولادي الثلاثة… وين مشوا؟”
وفي مقاطع فيديو منشورة على الوسائط حاولت نساء دارفور أن يعكسن معاناتهن وفي هذا الصدد تقول النازحة: فتينة التوم عبد الله حسن، أم من وادي شقرا، وصلت إلى طويلة يوم الجمعة 4 أبريل، بعد أيام من النزوح والمشي على الأقدام. في صوتها ارتجاف، وفي عينيها بحث لا ينتهي.

“فقدت ثلاثة من أطفالي. ولا أعلم هم أحياء أم ماتوا. بس مشينا… مشينا عشان نلقى موية، نلقى لقمة… نلقى حياة.”

فتينة وصلت منهكة، جائعة، بلا شيء. لا فراش، لا غطاء، لا طعام. تنظر حولها وكأنها تسأل الأرض: “هل هذا هو الأمان؟”

“كُنت ببيع في السوق، الآن بنوم تحت الشجرة” هكذا قالت تومة آدم حسن، التي كانت تعيش في شقرا، لديها بيت، حياة بسيطة، تبيع بعض الأشياء لتُعيل أبناءها. الآن، لا تملك شيئًا.

وتضيف “كل حاجة راحت في شقرا. مشيت طويلة، وصلت أمس، ما عندي لا بطانية، لا هدوم، لا حاجة آكلها.”

تومة لا تطلب الكثير، فقط سقف يحميها من البرد، وكسرة خبز لأطفالها، ويد حانية تمتد لها وسط هذا الخراب.

“نحن أهل… ليه الحرب؟”
هكذا ابتدرت رشيقة عبد الله علي حديثها بهذا السؤال الساهل لكن من الصعب الإجابة عليه، وتقول رشيقة: “نزحت من مخيم أبوجا، ثم إلى شقرا، ثم نيفاشا، وأخيرًا وصلت إلى طويلة”. كل محطة نزوح، كانت تفقد فيها رشيقة قطعة من روحها.

وتضيف بقولها: “الناس هنا وهناك أهل… نحن أهل! ليه الحرب؟ الحرب دي كسرت قلوبنا، شردتنا، وجعتنا”.

رشيقة، التي فقدت أفرادًا من أسرتها، لا تحمل سوى كلمات بسيطة، صادقة، موجهة إلى من بيدهم القرار: “أوقفوا الحرب… بس كفاية.”

“ما عندنا غير السماء والأرض”
وفي ذات الاتجاه تتحدث أزهار محمد عمر، عن معاناتها وهي التي قضت أيامها بين الفاشر ومخيم أبوجا وشقرا ونيفاشا، حتى استقر بها المطاف في طويلة. كانت تأمل أن تصل إلى مكان فيه بعض الحياة، لكنها لم تجد سوى ظل شجرة تأوي إليه.

تقول ازدهار “لا معاي فرش، لا معاي غطاء، لا موية نشربها. بنعيش تحت الشجر. عايزين بس ناكل، نشرب، نرتاح.”

“افتحوا الطريق.. خلوا الناس تطلع”
تاجة ضوالبيت إبراهيم نازحة من الفاشر وصلت إلى طويلة يوم الجمعة، بعد رحلة معاناة محفوفة بالخوف والمخاطر، من شقرا إلى هذه المدينة الصغيرة التي بالكاد تتسع لأوجاعها. تقول “الناس جوّة لسه محاصرين. افتحوا الطريق عشان يطلعوا. الحرب حرقت البيوت والقلوب.”

spot_imgspot_img