بقلم: أتـيـم قـرنـق
نائب رئيس البرلمان الاتحادي، امدرمان، ٢٠٠٥- ٢٠١١
المذابح البشرية و أحداث الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش السوداني في ود مدني و التي زهقت خلالها مئات الأرواح من مواطني دولة السودان الجنوبي، هي احداث مؤسفة و مدانة محليًا واقليمياً ودولياً لما تعكسه من حيوانية و حقد دفين فاق التصور و الخيال الإنساني و عدم الاكتراث برد فعل الآخر سوي آني أو مرحلي أو حتي أجيال الغد!!
الحقد و إذلال الآخرين و التفنن في تعذيب الخصوم هي أعمال و أفعال متجذرة تاريخيًا في العقيدة القتالية للجيش السوداني. فهي من موروثات ثقافة الحرب لدي الإنسان السوداني. و تعود لتأريخ الدويلات الإسلامية السودانية 1504-1820 و التي تمثلها السلطنة الزرقاء و دويلة المسبعات و دولة دار فور؛ تلك الدويلات التي اعتمدت جيوشها علي الغزو و النهب و السلب و الاستعباد، و جاءت بعدها جيوش الامبراطورية العثمانية الإسلامية الغازية 1821-1885 و التي كانت من أهدافها اصطياد إنسان دولة السودان الجنوبي للاستعباد و النخاسة و هي نفس ما فعلتها جيوش ألدولة المهدية 1885-1898؛ تبعتها فترة الحكم الثنائي البريطاني المصري الاستعماري 1898-1955. و هذا الحكم استندت سلطته علي العنف و القهر و اذلال الخصوم و نهب ممتلكاتهم. و من هنا ورث الجيش السوداني (جيش دولة ١٩٥٦ و مليشياته) ثقافة السبايا و الجواري و العنف و القهر و الاذلال و النهب، و تبلد مشاعر الانسانية تجاه المنافسين و الأعداء.
و تاريخياً، تلك الجيوش الناهبة و القاهرة؛ غازية كانت او وطنية سودانية إسلامية، كانت و ما زالت مكونها و قوامها و نواتها الأساسية هي الإنسان السوداني المسلم. و الجيش السوداني الحالي و كل مليشياته إنتماءً هو الوريث الشرعي و الثقافي لمبادئ تلك الجيوش المتوحشة. و نحن أهل السودان الجنوبي شهود علي هذا القول لاننا كنا ضحايا كل هذه القوي العسكريه القاهرة المتعطشة للدماء و ازهاق الأرواح و إستعباد البشر منذ تأسيس الدويلات الإسلامية السودانية مرراً بكل الحقب المظلمة حتي فترة الإخوان المسلمين و المشير البرهان.
حكومة الفريق السجان القاتل: ابراهيم عبود (1958-1964) عذبت و سجنت و قتلت مئات الناس و أستهدفت المتعلمين و رجال الدين المسيحي بصفة خاصة من أهل السودان الجنوبي،
نظام المشير السفاح الكذاب و الغدار: جعفر محمد نميري (1969-1985) تفنن في خلق فتن بين السياسيين و سحق و قتل الاف الناس من اهل السودان الجنوبي،
حكم المشير الشرير الجزار: عمر حسن احمد البشير (1989-2019) استخدم الدين الإسلامي لحرق القري و هدم المدن و تشريد الملايين و ابادة مئات الالاف من سكان السودان الجنوبي،
و اليوم، قوات و مليشيات الفريق الحائر: عبدالفتاح البُرهان لا تريد ان تختلف مع من سبقوها في فعل الشر و إظهار الحقد الدفين في اعماقها بقتل و ذبح أناس عزل و ابرياء مثل الابرياء الذين تاجر بهم ملك النخاسة الزبير (باشا) و ملايين الأبرياء الذين قتلهم الجيش السوداني؛ (الجيش الذي لم يحتفظ بأسير واحد) خلال حرب دامت لمدة 39 سنة، في حين إن الجيش الشعبي لتحرير السودان اطلق سراح الاف الجنود السودانيين من اسري الحرب؛ و منظمة الصليب الاحمر الدولي و الامم المتحدة شهود علي ذلك و مدون في سجلاتها.
بناءً علي ما تقدم لا يمكن تحميل اي مواطن سوداني يتواجد في أراضي السودان الجنوبي او خارجه، و حتي الجنود السودانيين الذين فروا من القتال و لجأوا للسودان الجنوبي لا يمكن محاسبتهم علي ما فعله الجيش السوداني في ود مدني و أماكن كثيرة من مناطق النزاع في السودان، لأننا اكثر الناس معرفة بأصول الفكر الحربي و العقيدة القتالية للجيش السُّوداني، و نفهم جزور لا آدمية مشاعرهم و منابع لا أخلاقية قادتهم.
الجيش السوداني معروف بالقسوة و العنف و الاذلال و القهر و التعذيب و الاغتصاب و الاغتيالات و غيرها من صنوف الغدر و الحقد الغير مبرر تاريخيا ضد إنسان السودان الجنوبي.
مَن مِن سكان السودان الجنوبي لا يعرف ما فعله الجيش السوداني من مجازر لما بعد انتفاضة توريت المسلحة 1955، في أنذارا 1955، كودك 1964, جوبا 1965 و 1987 و 1992, واو 1965 و 1987, رمبيك 1965, بور 1965 و 1967, اكوبو 1970, الخرطوم 1964 و 2005، بابنوسة 1967، الضعين 1987، الجبلين 1997, و غيرها من المدن.
لقد حان الوقت، لقيام حكومة السودان الجنوبي بالتوثيق الرسمي لوقائع كل هذه المآسي.
ما تمارسها او مارستها قوات الدعم السريع (هي قوات طبق الأصل للجيش السوداني في أخلاقها و عقيدتها القتالية) في المناطق التي تحت سيطرتها او كانت، في الخرطوم و ولاية الجزيرة و ولاية سنار و ولايات دارفور و كردفان هي بضبط صورة مصغرة جداً من اعمال الجيش السوداني خلال 39 سنة مدة الحرب التي دارت في السودان الجنوبي.
كم رجل و كم رجل، في مدن السودان الجنوبي، من اجل محاولة حماية زوجته، او شقيقته، او بناته، او قريباته قتله رجال الجيش السوداني و المجاهدين المتعطشين لنكاح المتعة و (نكاح الرهط) مع نساء الكفار، و سبايا الجهاد و الحرب؛ و كلها تتم تحت التكبير (الله أكبر، الله أكبر) علي نمط ما حدث عند ذبح ضحايا ود مدني من مواطنيننا الأبرياء.
ما فعله الجيش السوداني لمواطنينا في ود مدني ليس جديداً، لكن الجديد الذي لم يستوعبه الجيش السوداني هو ان هؤلاء الضحايا يتبعون لدولة جديدة حرة، و إن كانت متوعكة فستنهض!
انا أقدر إجراءات حكومة السودان الجنوبي الحاسمة في حماية المواطنين السودانيين و ممتلكاتهم و هذا يعكس فلسفتنا الانسانية تجاه البشر و هو ما كنا نقوم بها إثناء الحرب بعدم قتل المدنيين العزل و اسري الحرب. وإن كانت الحكومة في جوبا لها وسواسها من التظاهرات.
نطالب حكومة السودان بحماية مواطنيننا في السودان و تسهيل سبل ترحيلهم بالتعاون مع الامم المتحدة للعودة الي السودان الجنوبي. و أيضا علي حكومة السودان و بالتعاون مع الاتحاد الافريقي و حكومة دولة السودان الجنوبي تحديد أعداد الذين قتلوا علي أيادي الجيش و المليشيات بما فيها قوات الدعم السريع خلال فترة الحرب الاهلية في السودان. و علي حكومة السودان الجنوبي مطالبة الحكومة السودانية بتعويض آسر ضحايا تلك المجازر و دفع تعويضات لمَن تضرر مِن مواطنيننا جراء الحرب الدائرة في السودان.
رامشيل للأخبار Ramcial 4NEWS