Site icon صحيفة التحول

المنظمة الدولية للهجرة: مستوى الدمار في الخرطوم يفوق التصور

مبنى مدمر في منطقة أم درمان في السودان، حيث تسببت الحرب المستمرة منذ 15 نيسان/أبريل في دمار ةاسع النطاق في البنية التحتية ــ Nezar Bogdawi

برزت زيارة رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية في السودان، الدكتور محمد رفعت، إلى ولاية الخرطوم كمؤشر واضح على بدء مرحلة جديدة من التدخل الدولي المباشر لدعم جهود إعادة الإعمار، والتأهيل النفسي، وتسهيل العودة الطوعية للمواطنين.

وقال محمد رفعت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في السودان إن العاصمة الخرطوم تعيش وضعا كارثيا بعد عامين من الحرب، مسلطا الضوء على الأوضاع المروعة التي يواجهها المدنيون في المناطق المتضررة.

وتحدث رفعت إلى الصحفيين في جنيف، اليوم الجمعة، عقب زيارة استغرقت أربعة أيام للعاصمة السودانية وضواحيها، مشيرا إلى أنه زار مناطق لم يكن الوصول إليها ممكنا من قبل، وشاهد بأم عينه حجم الدمار والمعاناة التي يعيشها الناس في هذه المناطق.

وأضاف قائلا: “أستطيع أن أقول لكم إن محطات الكهرباء نُهبت، وأنابيب المياه دُمرت. أنا لا أتحدث عن مناطق معينة، بل أتحدث عن كل مكان ذهبت إليه. لقد كنت في مناطق حروب في ليبيا واليمن والعديد من مناطق الصراع الأخرى. ومستوى الدمار الذي رأيته في بحري والخرطوم لا يمكن تصوره. لم يكن هناك استهداف لمنازل الناس فقط، ولا للمناطق الإدارية، ولا للمناطق العسكرية، بل لكل البنية التحتية الأساسية التي يمكن أن تحافظ على حياة الناس”.

حاجة إلى التمويل
وأشار رفعت إلى الحاجة الملحة لتوفير التمويل الإنساني للأدوية والمأوى ومياه الشرب والتعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى ضمان وصول إنساني غير مقيد للمتضررين من الصراع. ونبه إلى أن محدودية الوصول الإنساني ونقص التمويل أدت إلى معاناة هائلة، خاصة بالنسبة للنساء.

وأشار إلى أن العديد من المنظمات غير الحكومية أوقفت أو قللت عملياتها بسبب نقص التمويل، وأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث يوجد أكثر من 11 مليون نازح داخلي.

ودعا رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة إلى التركيز على إعادة البناء، مشيرا إلى أن ترميم الخرطوم والمناطق الأخرى سيستغرق وقتا، لكن من الممكن توفير مأوى وسبل عيش كريمة بمجرد توفر الموارد اللازمة.

وأشار إلى أن خطة استجابة المنظمة الدولية للهجرة في السودان تسعى للحصول على 250 مليون دولار لمساعدة 1.7 مليون شخص، لكن لم تتم تغطية سوى 9% من الأموال المطلوبة حتى كانون الثاني/يناير 2025.

رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية في السودان، الدكتور محمد رفعت ــ “سونا”.

قصة سارة
المسؤول الأممي سلط الضوء على قصة سارة، المعلمة التي بقيت في منزلها في الخرطوم بحري طوال فترة الحرب، والتي لم تكن تملك أي وسيلة للمغادرة.

وقال رفعت: “كانت أيامها مليئة بالرعب، وشهدت فقدان أحبائها وتهديدا مستمرا بالعنف. لم تبق سارة باختيارها، بل كانت مضطرة إذ لم تكن لديها وسائل للمغادرة، ولا دعم لإخراجها من مكان الأذى، ولا أحد يساعدها. تُركت لتعاني دون مساعدة، غير قادرة على الهروب”.

وأضاف أن مستقبل سارة كان شاغلها الرئيسي، مشيرا إلى أنها كانت تتوق إلى إعادة فتح المدارس ومستعدة للتدريس مجانا لضمان استمرار التعليم للأطفال.

كما تحدث عن قصة فتاة أخرى تدعى ترتيل، عبرت عن يأسها ورغبتها في مواصلة تعليمها والحصول على دعم نفسي. وقال إن هناك العديد من القصص المشابهة لقصتى سارة وترتيل.

مؤشرات أمل
وردا على أسئلة الصحفيين، أوضح رفعت أن عودة الناس إلى الخرطوم تتطلب توفير معلومات تساعدهم على فهم الوضع على الأرض واتخاذ قرارات مستنيرة، بالإضافة إلى استثمارات ضخمة لاستعادة الخدمات الأساسية مثل الصحة والمياه والكهرباء.

وأشار إلى أن هناك علامة أمل صغيرة مع عودة 400 ألف نازح داخليا إلى ديارهم مؤخرا، لكن معظمهم يعودون إلى منازل مدمرة ومنهوبة تفتقر إلى أي خدمات أساسية.

زيارة ميدانية تكشف حجم المعاناة:

خلال زيارته لمكتب وكالة السودان للأنباء (سونا) في أم درمان، شدد رفعت على استجابة دولية إيجابية لدعم السودان في مشاريعه الإنسانية والتنموية. وأوضح أن المنظمة تعمل على تقديم رعاية نفسية واجتماعية في مناطق العودة، مع التركيز على تأهيل المناطق المتأثرة بالحرب من حيث البنية التحتية، والخدمات الأساسية مثل السكن، والمياه، والصحة.

وقال إن المنظمة تسعى لجلب المزيد من الدعم الدولي، مع تأكيدها أن العبء الأكبر في الأزمة يقع على الأسر السودانية، وخاصة النساء والأطفال الذين يعانون من آثار نفسية عميقة.

شراكة محلية:

زار رفعت عددًا من المسؤولين المحليين في الخرطوم، من بينهم والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، ووزير التنمية الاجتماعية صديق فريني، ومفوض العون الإنساني خالد عبد الرحيم. وخلال هذه اللقاءات، تم بحث سبل مساهمة المنظمة في برنامج التدخل العاجل لاستعادة الحياة، والتعاون لتوفير المساعدات الغذائية والطبية وإعادة تأهيل مرافق المياه والكهرباء والصحة.

وأشار رفعت إلى أن المنظمة ستسعى لإعادة فتح مقرها الرسمي في الخرطوم، لمتابعة تنفيذ المشاريع ميدانيًا، ونقل صورة واقعية عن حجم الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة.

نحو عودة منظمة وآمنة

أكد رفعت أن المنظمة لا تركز فقط على إعادة النازحين داخليًا، بل تسعى أيضًا لتسهيل عودة السودانيين من الخارج، وتنظيم عمليات ترحيل الأجانب المقيمين بطرق غير شرعية بالتنسيق مع القوانين الدولية، وهو ما يتقاطع مع مطالبات والي الخرطوم الذي دعا إلى وضع الأجانب في معسكرات خارج المدن.

وقد انتقد الوالي في تصريحاته المفوضية السامية للاجئين لعدم اتخاذها خطوات جادة في هذا الملف، داعيًا منظمة الهجرة الدولية للعب دور أكبر في تنظيم وجود الأجانب في السودان بما يضمن حماية المواطنين وحقوق اللاجئين في آن معًا.

التحديات والآفاق

زيارة رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة تأتي في لحظة مفصلية للسودان، وتُعَدّ من أوائل زيارات الوفود الأجنبية إلى الخرطوم بعد سيطرة الجيش. وبينما تعكس هذه الزيارة رغبة المنظمة في استئناف عملها الميداني، فإن التحديات لا تزال كبيرة، سواء من ناحية الأمن، أو نقص الموارد، أو تعقيد ملف النزوح واللاجئين.

ورغم التفاؤل الذي أبداه المسؤولون المحليون، فإن قدرة المنظمة على إحداث تحول ملموس ستعتمد على مدى تجاوب المجتمع الدولي، واستقرار الوضع الأمني، واستمرار التنسيق الفعّال مع السلطات السودانية.

رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية في السودان، الدكتور محمد رفعت في اجتماع مع والي الخرطوم أحمد حمزة ـــ “سونا”
Exit mobile version