Site icon صحيفة التحول

تداعيات الحرب الإسرائيلية – الإيرانية على المشهد السوداني: قراءة استراتيجية في فرص تأسيس

د. أحمد التجاني سيدأحمد القيادي بتحالف "تأسيس"

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
مقدمة
تشهد المنطقة تحولات كبرى بفعل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، في وقت يتواصل فيه الصراع الداخلي السوداني بين (الجيش الكيزاني) وقوات الدعم السريع وحلفائها في منظومة (جيش التأسيس) الافتراضي والقادم بدون شك، وتطرح القوى المدنية مشروع “تحالف تأسيس السودان” كطريق ثالث لإنقاذ الدولة من الانهيار. تتناول هذه الورقة ثلاثة محاور مترابطة: المحور الدولي العام، ثم الإقليمي، ثم السياسي الوطني، لفهم التداخل بين الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ومصير القوى المتنازعة داخل السودان، ودور التأسيس كحامل مدني للتغيير في لحظة تتداخل فيها الجغرافيا السياسية، والفرص الثورية.
المحور الأول: الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وانعكاسها على دعم الكيزان والدعم السريع
أدى الهجوم الإيراني الكبير على إسرائيل في أبريل 2024، وردّ تل أبيب بضربات داخل العمق الإيراني، إلى كشف حدود القوة الإيرانية، خاصة بعد استهداف منشآت صناعات الطيران المسيّر في أصفهان وتراجع قدرة الحرس الثوري على دعم العمليات الخارجية. أصبح واضحًا أن طهران باتت منشغلة بتأمين الداخل، مما أضعف قدرتها على تمويل الحلفاء في اليمن، سوريا، السودان، ولبنان.

في السودان، انعكس هذا مباشرة على قدرة بعض عناصر النظام السابق (الكيزان) على المراهنة على محور طهران، إذ أن التراجع الإيراني تركهم دون غطاء مالي أو أمني. ورغم استفادة الجيش السوداني في مرحلة من مراحل الحرب من الطائرات المسيّرة الإيرانية، فإن هذا الدعم لم يعد مضمونًا، بل صار مكلفًا سياسيًا بالنظر إلى التحولات الإقليمية والدولية.

أما الدعم السريع، فقد ظل يعتمد بشكل غير مباشر على دعم لوجستي من دولة الإمارات، خاصة عبر مسارات تمتد عبر ليبيا وتشاد. لكن الضغوط الأمريكية على أبوظبي تزايدت، ما أجبرها على إعادة تموضع تكتيكي. ورغم الحديث عن تقلص الدعم، فإن قدرات الدعم السريع في دارفور وكردفان ما تزال حاضرة، وتمددها شمالًا، خاصة بعد التقدم الملموس في الحدود المصرية الليبية السودانية، وبعضها يُعاد تشكيله ضمن شبكات مالية وقبلية عابرة للحدود، الأمر الذي يجعل الحديث عن انهيار أو ضعف للدعم السريع أمرًا غير دقيق.

بالمقابل، فإن السعودية ومصر وتركيا تتابع المشهد بمقادير متفاوتة من الحذر أو التكتم أو التهور، وتسعى إلى عدم الانخراط العسكري المباشر، لكنها تتدخل عبر القنوات السياسية والدبلوماسية. مصر ترفض وجود قوات غير نظامية في الشمال، وتنسق مع البرهان أمنيًا (وهناك مؤشرات عن تدخل عسكري مصري مباشر في بدايات الحرب وغير مباشر حاليًا)، بينما تتجنب السعودية مواجهة مباشرة مع أي من الطرفين. أما تركيا، فتتظاهر باحتفاظها بعلاقات متوازنة مع بعض أطراف الإسلام السياسي، بينما تقدم دعمًا لوجستيًا وماديًا وإعلاميًا لقادة الكيزان، لكنها أيضًا منخرطة في حسابات البحر الأحمر وتوازنات القرن الأفريقي، مما يضعف قدرتها على التدخل المباشر في العمق السوداني.
المحور الثاني: تقلّص النفوذ الإيراني وانعكاسه على طموحات الكيزان في العودة إلى الحكم
منذ تسعينيات القرن الماضي، شكّل التحالف بين الحركة الإسلامية السودانية وإيران محورًا فاعلًا في إعادة تشكيل جهاز الدولة السودانية على أسس أمنية أيديولوجية. لكن بعد 2011، ومع تصاعد الغضب الشعبي، تراجع النفوذ الإيراني، وصولًا إلى القطيعة الكاملة في 2016، على خلفية التنافس الإقليمي بين الرياض وطهران.

اليوم، ومع انهيار المشروع الإسلامي في السودان بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨، لم يتبقَ للكيزان سوى محاولات التسلل عبر الجيش والمليشيات الإرهابية الدموية، أو استثمار حالة الفوضى. لكنهم يواجهون جدارًا شعبيًا وثوريًا صلبًا في الشارع، بالإضافة إلى عزلة دولية بعد تورط بعضهم في جرائم الحرب والفساد. كما أن اعتمادهم السابق على دعم إيراني وتركي وقطري بات غير واقعي، بسبب تغير أولويات تلك الدول بعد الحرب في غزة، وانهيار الثقة الدولية في الإسلاميين كقوى قابلة للتأهيل أو الإصلاح.

في هذا السياق، بات الإسلاميون السودانيون محاصرين سياسيًا، لا يملكون قوة شعبية، ولا حلفًا إقليميًا موثوقًا، مما يجعل طموحاتهم في العودة إلى الحكم مجرد وهم استراتيجي.
المحور الثالث: تأسيس كفرصة وطنية مدنية في ظل التفكك الإقليمي
في ظل الانكفاء الإقليمي وانهيار معادلات القوة التقليدية، تبرز قوى مدنية جديدة على رأسها “تحالف تأسيس السودان”، الذي يطرح مشروعًا واضحًا قائمًا على الفدرالية، والديمقراطية التشاركية، والمواطنة المتساوية. مشروع تأسيس لا يتبع لأي محور خارجي، ويركز على الداخل السوداني بكل مكوناته.

يعتمد تأسيس على وعي متجذر بثلاثية: تفكيك المركزية، رد الاعتبار للمناطق المهمشة، وبناء دولة القانون والمؤسسات. وهو يتقدم اليوم كندّ مدني لكل من مشروع العسكر ومشروع الميليشيات الإسلامية، دون الانخراط في صراعات السلاح أو لعبة المحاور.

لكن نجاح تأسيس يحتاج إلى توسيع قاعدته الشعبية، وتكثيف نشاطه الميداني والدبلوماسي، وتقديم رؤية واضحة للعدالة الانتقالية وإعادة الإعمار. كما يجب أن ينفتح على المبادرات السلمية المحلية، مثل تحالف الصمود، ولجان المقاومة، والكوادر المهنية، والمجتمعات المدنية في النيل الأزرق، ودارفور، وشرق السودان، ووادي حلفا، ليكون بحق الحامل الوطني الجامع لفكرة إعادة تأسيس الدولة السودانية.
خاتمة
الحرب الإسرائيلية – الإيرانية أضعفت شبكة النفوذ التقليدية في المنطقة، وأسقطت كثيرًا من أدوات الوكالة الخارجية التي طالما استخدمت السودان كساحة للصراع بالنيابة. وفي هذا الفراغ الجيوسياسي، تنبعث فرصة تاريخية لتحالف تأسيس السودان كي يقود مشروعًا وطنيًا مدنيًا جامعًا. لكن النجاح يتطلب وضوحًا سياسيًا، وشجاعة أخلاقية، وتحالفًا جماهيريًا واسعًا.

السودان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يُعاد إنتاج الأزمة بوجوه قديمة، أو يُكتب له ميلاد جديد، لا عبر التبعية أو الانقلاب، بل عبر تأسيس السودان الجديد.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
١٣ يونيو ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا

المراجع

  1. 1. Wall Street Journal – Sudan’s Army Close to Retaking Its Own Capital From Rebels, مايو 2025.
  2. 2. Washington Post – Sudan’s bloody civil war may be reaching a turning point, مارس 2025.
  3. 3. Financial Times – Military briefing: the foreign drones that turned Sudan’s civil war, أبريل 2025.
  4. 4. Al Jazeera English – Analysis of Iran’s drone operations in Sudan, أبريل 2024.
  5. 5. مركز Sentry – تقرير عن تمويل الحركات الإسلامية وتدفقات السلاح في القرن الأفريقي، 2024.
  6. 6. UNOCHA – Sudan Humanitarian Response Update, يونيو 2025.
  7. 7. تحليلات تحالف تأسيس السودان، منشورات داخلية غير منشورة، 2023–2025.
Exit mobile version