Site icon صحيفة التحول

تشريح خطاب التبرير: العنف الإسلاموي بين كتائب الظل وذبح المدنيين

رئيس مجلس السيادي الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان يتفقد مقر القوات الخاصة ـ صفحة الجيش في منصة "أكس"

ضياء الدين محمد احمد

في سياق يتسم بالعنف المسعور وتسييد منطق الدم والدمار، يتصاعد خطاب جديد/قديم يعيد إنتاج نفسه في أثواب التبرير، هذه المرة عبر محاولات دفاع مفضوحة عن “كتائب البراء” و”كتائب الظل” – تلك المليشيات الإسلاموية التي تقترف جرائم ذبح المدنيين في الساحات العامة تحت دعاوى التخابر أو العمالة للعدو. خطاب يُراد له أن يصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي وأن يمنح تلك التنظيمات غطاءً “شرعيًا” لمجازر بشعة لا إنسانية.

من الجولاني إلى كتائب البراء: التوظيف السلطوي للعنف الجهادي:

يستحضر البعض، في محاولة للتمويه، نماذج مثل “الجولاني” و”أحمد الشرع” و”داعش” وأفغان العرب، في محاولة لخلق تناظر مريب بين الجهاد السلفي و”المقاومة” ضد الاستعمار أو التغوّل الإمبريالي. غير أن هذا الإسقاط لا يعفي من الإدانة، بل يُدخِل المدافع في خانة التواطؤ. فالعنف الذي مارسه الجولاني على المدنيين، لا يمكن أن يكون معيارًا أخلاقيًا أو سياسيًا لتبرير ما ترتكبه كتائب الإسلام السياسي في السودان اليوم.

هؤلاء – كتائب الظل والبراء وغيرها – لا يمثلون امتدادًا للمقاومة، بل هم الوجه الداخلي من “العدو”، الوجه الذي أعيد إنتاجه في مختبرات القمع باسم الدين، والمُسلّح بإرث الاستبداد، وهو يذبح الثوار لأنهم نادوا بالحرية.

قتل الثوار بتهمة التخابر: القتل كسياسة

من أخطر ما يحمله هذا الخطاب، هو محاولة تسويغ القتل خارج القانون بتهم ملفقة، يُصدرها “قاضي ميداني” مرتزق يحمل سكينًا لا قانونًا، ويذبح بها ناشطًا لأنه “يتجسس”. هكذا تُشرعن المجازر، وهكذا يُطمس القانون، وتُختزل الثورة في لحظة إعدام.

ما الفرق إذًا بين هذا النموذج، وبين ذبح الجنجويد لأبناء دارفور؟ لا فرق سوى في “الشعار” و”الراية”، أما السكين فهي نفسها، والضحية هو دائمًا الثائر أو المدني البسيط.

التبرير المزدوج: الجنجويد والإسلاميون.. عُملة بوجهين

القول بأن “الجنجويد يذبحون المدنيين أيضًا”، لا يبرر جرائم الإسلاميين. لا يمكن أن نُسقط التهمة عن جهة لأنها تقتل نفس الضحية التي يقتلها خصمها. هذه محاولة قذرة لإعادة تدوير العنف تحت عباءة “الرد بالمثل”، وكأن القانون والعدالة صارا وجهة نظر.

هذا الخطاب ليس فقط معيبًا، بل ينطوي على خلل منهجي وموقف انتهازي يساوي بين الجلاد والضحية، ويفضي إلى تبرئة الإخوان المسلمين ومليشياتهم من جرائمهم التاريخية بحق الشعب السوداني.

من “أم درمان القديمة” إلى “شرق النيل”: مشاهد الذبح العلني تحت شعارات الإسلام

في تقاطع زمني مأساوي، تتوالى شهادات المواطنين من مناطق سيطرة المليشيات الإسلاموية في أم درمان وشرق النيل وكرري عن جرائم ذبح مدنيين في الأسواق والساحات العامة، تحت دعاوى “التخابر مع العدو” أو “الردة” أو “العمالة للجنجويد”.

في شهادة موثقة من شبكة صوت الحرية بتاريخ 14 مايو 2025، تحدث شهود عيان من حي “الإنقاذ شرق” عن مشهد إعدام ثلاثة شبان من لجان المقاومة، أُجبروا على حفر قبورهم بأيديهم، ثم ذُبحوا أمام عائلاتهم، بعد “محاكمة شرعية” سريعة أجرتها مجموعة تطلق على نفسها “سرية الفتح المبين” – وهي فرع ميداني تابع لما يسمى “كتائب البراء”.

وفي تسجيل مسرّب نُشر على تليغرام، ظهر أحد قادة هذه الكتائب، ويدعى “أبو أنس السوداني”، وهو يبرر الذبح قائلًا: “كل من يعين الجنجويد ولو بكلمة، هو مرتد، وسنقيم عليه حد الحرابة.” هذه الكلمات تكرّر الخطاب التكفيري ذاته الذي استخدمته داعش في الموصل والرقة، وكأن السودان يُعاد تأهيله كمسرح جديد للجهاد العنيف.

تقارير حقوقية: عنف مُمأسس وجرائم ضد الإنسانية

بحسب تقرير لـمنظمة العفو الدولية – قسم القرن الإفريقي، صدر في أبريل 2025، فإن “كتائب إسلامية مسلحة تستخدم العنف الديني لتصفية حسابات سياسية، وتقوم بإعدامات ميدانية ضد معارضين، وسط غياب تام للسلطات العدلية والرسمية”.

كما وثقت رابطة المحامين الديمقراطيين في السودان قرابة 47 حالة ذبح وتصفيات جسدية نفذتها هذه الكتائب في محيط العاصمة وحدها خلال شهري مارس وأبريل 2025.

صمت المجتمع الدولي ليس مبررًا.. وصمت النخبة خيانة

في ظل الجرائم اليومية التي ترتكبها كتائب الإسلام السياسي – من ذبح علني، إلى خطف وتعذيب، وتصفية للمعارضين – فإن صمت بعض النخب بحجة أن “العدو هو الجنجويد” يمثل خيانة للثورة ومبادئها. فالثورة التي لا تدين كل أشكال القتل، ولا تصطف مع الإنسان ضد السكين، تتحول إلى تواطؤ صريح.

خاتمة: لا تبرير للدم.. ولا مكان للقتلة بيننا

الثورة السودانية ليست حرب شعارات، بل مشروع تحرر إنساني لا مكان فيه للذبح باسم الدين، ولا للعنف باسم “الردع”. وعلينا أن نقولها بوضوح: من يبرر ذبح الثوار بحجة أنهم متعاونون مع الجنجويد، هو نفسه شريك في الجريمة، ولو من وراء شاشة.

هذا المقال هو دعوة لمحاكمة الخطاب، قبل محاكمة الذابحين.

Exit mobile version