التحول: متابعات
وسط تصاعد القتال واستمرار العراقيل المتعمدة أمام العمليات الإنسانية، دقّ برنامج الأغذية العالمي ناقوس الخطر بشأن الوضع الغذائي في السودان، محذرًا من أن اقتراب موسم الأمطار سيؤدي إلى عزل مناطق واسعة من البلاد، مما يهدد حياة ملايين الأشخاص الذين يعانون من الجوع الحاد، لا سيما في إقليم دارفور.
وقال البرنامج، في بيان صدر من بورتسودان، إن تأخّر عمليات التخزين المبكر للمساعدات الغذائية قد يؤدي إلى حرمان المجتمعات الأكثر ضعفًا من الإمدادات المنقذة للحياة، خاصة في ظل المجاعة المؤكدة في 10 مواقع، أبرزها معسكر زمزم بولاية شمال دارفور.
زمزم وأبوشوك.. خنادق الجوع والعزلة
يتزامن هذا التحذير مع تصاعد القتال في مدينة الفاشر ومحيطها، ما جعل الوصول إلى المخيمات الكبرى مثل زمزم وأبوشوك محفوفًا بالمخاطر. وكان برنامج الأغذية العالمي قد أوقف عملياته مؤقتًا في معسكر زمزم في فبراير 2025، نتيجة لتزايد الهجمات على عمال الإغاثة والقيود المفروضة من أطراف النزاع.
ويقطن في زمزم وحده أكثر من 300 ألف نازح، معظمهم من النساء والأطفال الذين فرّوا من موجات العنف السابقة في دارفور. ومع حلول موسم الأمطار في يونيو، ستصبح الطرق غير سالكة، مما يعزل المعسكر تمامًا ويضاعف خطر المجاعة، خاصة في ظل نقص المياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية.
بعد عامين من الحرب المستمرة، أصبح السودان “أكبر كارثة جوع في العالم” وفقًا لوصف برنامج الأغذية العالمي. ويواجه حوالي 24.6 مليون شخص – أي ما يقارب نصف السكان – مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، في حين يواجه أكثر من 638 ألف شخص خطر المجاعة الكارثية، وهي أعلى نسبة عالمية.
وأكد البرنامج تسجيل المجاعة رسميًا في 10 مواقع، بينها ثمانية في شمال دارفور، أبرزها معسكر زمزم الذي يُعد أحد أخطر بؤر الأزمة، إلى جانب موقعين في جبال النوبة. وبيّن أن طفلًا من كل ثلاثة في المناطق الأكثر تضررًا يعاني من سوء تغذية حاد، وهي نسبة تتجاوز عتبة المجاعة.
جهود الإغاثة وسط العراقيل
رغم التحديات، يُقدّم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية وتغذوية لأكثر من ثلاثة ملايين شخص شهريًا، مع خطة لزيادة العدد إلى سبعة ملايين بحلول منتصف العام. وتمكن مؤخرًا من إيصال المساعدات إلى مناطق كانت معزولة تمامًا، مثل الخرطوم الكبرى، الجزيرة، وولايات دارفور وكردفان.
لكن القتال العنيف في مدينة الفاشر ومحيطها لا يزال يُقيد الوصول الإنساني، وقد اضطر البرنامج في فبراير إلى تعليق عملياته في معسكر زمزم، مع استمرار التنسيق لاستئنافها. ولا تزال البيروقراطية، وعمليات الابتزاز، ومنع حركة عمال الإغاثة، تعيق الاستجابة.
التمويل على المحك
في بيئة تتسم بانعدام الأمن وغياب الشفافية، يُطالب برنامج الأغذية العالمي بتمويل مرن بقيمة 650 مليون دولار لضمان استمرارية عملياته خلال الأشهر الستة المقبلة. ويؤكد مسؤولو البرنامج أن هذه الموارد ضرورية لتخزين الإمدادات قبل موسم الأمطار، وتمويل عمليات الإغاثة الجوّية في حال تعذر الوصول البري.
أوضح البيان أن البرنامج بحاجة عاجلة إلى التمويل لضمان استمرار عملياته في السودان خلال الأشهر الستة القادمة. وطالب المانحين بتوفير تمويل مرن يمكن من التكيف مع التغيّرات السريعة في الوضع الميداني.
أزمة ممتدة تتجاوز الحدود
وتنعكس الكارثة في السودان على دول الجوار، حيث فرّ أكثر من مليون شخص إلى جنوب السودان، يتلقون دعمًا أوليًا من البرنامج يشمل البسكويت المدعّم والوجبات الساخنة. كما تستضيف تشاد نحو مليون لاجئ وعائد من السودان، وقد تلقى معظمهم مساعدات من البرنامج خلال العام الماضي.
أبعاد الصمت الدولي
ورغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الإنسانية، فإن الاستجابة الدولية ما تزال متواضعة، كما تجلّى ذلك خلال مؤتمر لندن لدعم السودان في أبريل الجاري. إذ لم يتم الالتزام سوى بجزء بسيط من التمويل المطلوب، فيما شدد المسؤولون الأمميون، وعلى رأسهم مارتن غريفيثس، على ضرورة ممارسة ضغط دبلوماسي أكبر لفتح ممرات إنسانية آمنة.
وفي تصريحات خاصة خلال المؤتمر، قالت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي:”نحن لا نطلب المستحيل، بل فقط القدرة على الوصول إلى الجوعى قبل أن يُصبح الوصول إليهم متأخرًا جدًا.”
يتزايد أيضًا عدد الفارين من السودان نحو دول الجوار، حيث استقبلت جنوب السودان أكثر من مليون لاجئ منذ بدء الحرب، بينما تجاوز عدد اللاجئين في تشاد حاجز الـ900 ألف، معظمهم من سكان غرب دارفور. ويقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات أولية لهؤلاء، لكنها لا تكفي بالنظر لحجم النزوح وسرعته.
مناشدة قبل الانهيار
وحذر مراقبون من أنه إذا لم تُفتح الممرات الإنسانية، ولم تُخصص الموارد الكافية خلال الأسابيع المقبلة، فإن السودان سيتحول من أزمة غذائية كبرى إلى مجاعة شاملة يصعب احتواؤها، وقد تطال تداعياتها الإقليم بأكمله.
ووسط هذا المشهد القاتم، تتعلق الآمال بضغط دولي أكبر، وتحرك فوري من الأطراف المحلية لرفع العراقيل أمام العمل الإنساني. فكما جاء في ختام بيان برنامج الأغذية العالمي:”إنقاذ الأرواح يبدأ من الآن، لا بعد فوات الأوان.”