spot_img

ذات صلة

جمع

الجيش وحلفاؤه يستعيدون السيطرة على ود مدني وسط احتفالات واسعة داخل وخارج السودان

ود مدني: التحول أعلن الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه من...

البرهان يصل مالي ضمن جولة إفريقية لثلاث دول

بورتسودان: التحول وصل رئيس مجلس السيادة الفريق أول الركن عبد...

البرهان يشكر بايدن على تخصيص مبالغ إضافية للمساعدات الإنسانية

بورتسودان: التحول أعربت الحكومة السودانية عن ترحيبها وشكرها للحكومة الامريكية...

عودة التيار الكهربائي بمروي عقب احتراق محولات نتيجة قصف بطائرة مسيرة

مروي: التحول أعلنت محلية مروي بالولاية الشمالية، عن عودة التيار...

لمآل: استراحة الخطاب بين شجرَتَيْ الحكومة الموازية والمبادرة التركيةصورة صلاح الزين

صلاح الزين

الخطاب، أي خطاب، إنْ كان خطاباً سياسياً أو آخرَ مغايراً تتفق مكوناته وأطرافه على ضرورة الدخول في استراحةٍ ريثما يتبين ما طرأ على بِنيتهِ من طارئٍ غير منظور، أو منظورٍ ومحتمل مما يستدعي قراءة ما أطلَّ وأفصحَ به ذاك الطارئ وما يستلزم ذلك من إعادة النظر reshuffling في استراتيجياته وما يصاحب ذلك من ارتداء عباءةٍ أخرى بلونٍ مغايرٍ من غيرِ تبديلِ النسيج وغُرز خيوطه.

فالخطاب، مثله ومثل المحارب، يحتاج إلى ثمة استراحة وسط حروباته وخصوماته المتغايرة ليبدِّلـ نعليه وموقع خَطوِهِ ويرفد بنيته بفتوُّةٍ جديدة تُسعفه بحرارةِ الرسو عند ما يبتغي إذ، أحياناً، يكون الدرب إلى المنشودِ بجمالِ الوصولِ إليه!!

هكذا ألقى خطاب حرب أبريل 2023، الخطاب “الجانوسي” ذو الرأسين “فلولي” و”جنجويدي” عصا ترحاله تحت شجرتين متجاورتين على بُعدِ تحيةٍ وعناق: الدعوة إلى تكوين حكومة موازية أو حكومة منفى تستظل قرب الشجرة الأخرى بثوبٍ تركي وطربوشٍ عثماني وصولجانٍ غليظ.

خطاب حرب أبريل 2023 ذو الرأسين، “الجنجويدي” و”الفلولي” مثله ومثل خطابات أخرى، مجاورة أو بعيدة، يستدعي رفقةً خطابيةً من غير أن تكون بذات الرائحة ولون البشرة واللسان عملاً بحكمة الأهالي: الرفيق قبل الطريق. فالطريق لا يخرج، وإنْ أراد، عن اشتراطاتِ تاريخيةِ بنيةِ الخطاب المنذورة لسيرورات فيه لازمةٍ له.

منذ بداية حرب أبريل 2023 اختارت قحت، بوعي أو بدونه، أن يقطُرَ متحورها الأخير “تقدُّم” عربته فوق مسالكٍ تفضي إلى الخارج، الجغرافي والسياسي، بعيداً عن موطن الحرب والضحايا. فامتطت مَركِباً أوديسياً بأشرعةٍ ورياحٍ تجوب به كل المدن والموانئ، الحار منها والبارد، في غربة وحنين قد يطولان، وقد طالا.

هذا النزوع والشهوة إلى الخارج الجغرافي والسياسي هو من ذات بنية خطاب حرب أبريل وطينَتِهِ مما يمْكن تحسُّسُه في جسد الخطاب وأطرافه: الخطاب الإسلاموي ونزوعه نحو الصفاء العرقي والديني منذ تسَنُّمِهِ السلطة في العام 1989، وما قبل ذلك إبّان كلا العهود الديمقراطية والعسكرية، و هو، للمفارقة، ذات أوان انحداره وتدحرُجِهِ نحو ارتطامه بقاعِ تناقضاته وسيرورته. ولتلافي السقوط ذاك أخرجَ الخطاب من ضلعه “حواءَ” ترفده بذريةٍ وسلالةٍ تُعِينًهُ وتخفض له جناح الظل من الرحمة فتكسب الدنيا والآخرة.

هكذا تم استلال قوات الدعم السريع “الجنجويد” من ضلع الخطاب لتنجز ما وَهَنَ وقد يُوهِن الخطاب عن إنجازه في خَطوِهِ البعيد والقريب.

اندغم الفرع في الأصل وصارا بنيةً خطابيةً برأسين “فلولي” و”جنجويدي” لهما حربهما وضحاياها، حرب الخامس عشر من أبريل 2023 والتي انزلقت من رَحِمِ حَتمِ ضرورة نهضت في وجه أشواق الديسمبريين لفجرٍ يكون فيه العسكر للثكنات والجنجويد ينحل. فكانت الحرب وما صاحبها من قراءات لخطابها موزَّعة بين من يعاينها كحرب بين “فلول” و”جنجويد” ومن ينظر إليها كحربِ خطابٍ واحدٍ ذي بنيةٍ “فلولية” و”جنجويدية” وما تلا ذلك من تَوَزُّعِ الكُتّاب والمحللين والفكر والمفكرين بين فضاءاتِ أدبٍ لا يخرج بها من ثنائية “بلابسة” و”جغامة” وما تبع ذلك من تخوينِ كلِ طرفٍ للآخر والاكتفاء بإدراجه ورَبطِهِ بأحد الوَتَديْن وذهابُ الكل في حالِ سبيله لا يلوي على شيء!!

وكانت “قحت” ومتحورها الأخير “تقدُّم” مِن ضمن مَن اصطادته هذه المثنوية الماكرة وفخاخها. أصبحت ترى إلى حرب أبريل كحربٍ طرفاها “الفلول” مقابل “الجنجويد” لا حرباً ببنيةٍ وخطابٍ واحدٍ فيه استل الأول، “الفلول” الثاني “الجنجويد”، من ضلعه ليكون سيفاً وعصاً يتوكأ عليها إنْ وهَنَ العظم والقدم منه. فسقطت “قحت” ومتحورها “تقدُّم” في وحل ذات الخطاب الناهضة ضده فصارته، تقولُ بقوْلِهِ وترى ما يراه ذات الخطاب ذو الرأسين فوق الجسد الواحد الأحد.

وعادةً ما تبدأ الهزيمة عندما تستلف رؤية وجهاز مفاهيم خصمك وأدبه وما اصطُلح عليه وتواضَع حوله من قَوْلٍ وصمتٍ فتمسك بطرف الحبل الذي يمسك الخصم بطرفه الآخر ويبدأ التدحرج والانزلاق نحو العدم الذي هو هو ذات القاع الذي يلتقي فيه الخصمان اللذان يريان خطاب حرب أبريل كحربٍ بين طرفٍ جنجويدي وآخر فلولي مما ينفخ أشرعة قارب السقوط بهبوب تفضي إلى سقوطات تالية لا قاع لها وبلا نهاية منظورة.

وقد كان أول هذه السقوطات أنْ استدبرت “قحت” ومتحورها “تقدُّم”، مبكراً، المحلي والماثل والهناك وولت وجهها نحو خارجٍ جغرافيٍّ وسياسيٍّ أفضى بها إلى تجوالٍ لم يوفِّر عاصمة ولا خطاب متربِصٍ بعينَيْ صقر وذكاء ثعلب.

استهلت استدبار الداخل المحلي وقواه الاجتماعية والسياسية وصدى شعارات الديسمبريين على جَنَباته بلقاء “حميدتي” في يناير 2024 في أديس أبابا وما تلا ذلك من اصطفافات في الخطاب السياسي وقولِهِ المنثور على تعدد العواصم والمدن والقارات. تختلف الأمكنة ولون ربطات العنق والعطر المصاحب ولا يتغاير الخطاب الذي يرى لحرب أبريل 2023 بعينِ ذاتِ بنيةِ خطاب الحرب برأسيه “الفلولي” و”الجنجويدي” كحرب بينهما لا حرباً لهما. مقروءةً اتكاءة “تقدُّم” على قوى الخارج الإقليمية والدولية وما لها من مصالح أفضت بحرب أبريل أن تكون، في كُلِّيتِها، شأناً خارجياً أصبحت فيه “تقدُّم” مجرد وسيطٍ وشُبّاك تذاكر تسمح بالمرور إلى داخل وخارجِ قاعةٍ تعجّ بمتفرجين وفُرجة على أداءٍ مسرحيٍّ وُفِّقَ فيه المخرج و”كاست” الممثلين في إرضاء ذائقة الجمهور غضّ النظر عن اختلاف رصيدهم المعرفي وتغاير ذائقتهم الجمالية.

هكذا تواصَلَ ذاك السقوط والانحدار نحو قاعٍ يبدو فيه انتصار خطاب حرب أبريل 2024 برأسيه “الفلولي” و”الجنجويدي” واستحالة انفكاكهما من جسدهما الواحد الأحد، أقول تواصَلَ ذاك السقوط بما رشح عن اجتماع “تقدُّم” الأخير في كمبالا والذي تميز بطفوِ تباين القول، بين مكونات “التنسيقية”، بين من يدعو إلى تكوين حكومة موازية أو حكومة منفى ومن يقف ضداً لذلك.
وبسببٍ من اتكاء ذات “تقدُّم”، منذ الخطوة الأولى، على قوى الخارج الإقليمية والدولية في النظر لخطاب حرب أبريل كوليمة لا يُصَدُ عنها شهيات ضيوف الخارج، فقد أفضى سامِرُ خطاب “تقدُّم” بدرايةٍ أو بدونها، أن يكون الخارج، ذات الخارج الذي يصطف بعضه، الإمارات، ويُطعِم خطاب الحرب أن يكون طرفاً يستنجد به في إطفاء أوار الحرب بمبادرة “الباب العالي” أن يكون وسيطاً بين حكومة الأمر الواقع والإمارات!!

هكذا تقدَّمَ خطاب الحرب أمام تراجع وبؤس الخطاب الموازي، خطاب “تقدُّم” الموسوم جَبينُهُ، منذ ميلاده، بديناميكيات التمفصل مع القوى الخارجية الإقليمية والدولية مما يترك الفضاء السوداني مشرعاً لرياح التقسيم، التي تقول بها بعض فصائل “تقدُّم”، في انتظار خروج سلطان “الباب العالي”، بصولجانه وطربوشه، ليدعو كفيل حرب أبريل، الإمارات، لمأدبة طرفها الآخر رأس المال المعولم وشهياته ليكتمل قوس حرب أبريل، قولاً وفعلاً.رحلات السودان

spot_imgspot_img