spot_img

ذات صلة

جمع

مؤتمر الكنابي: وفاة أكثر من 300 معتقل داخل سجن ود مدني خلال أسبوعين

الجزيرة: التحول كشفت مركزية مؤتمر الكنابي عن خطورة الأوضاع...

الإبادة السودانية

بيار عقيقي “أُبلغ عن 221 حالة اغتصاب ضدّ الأطفال في...

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (11 – 20)

"لنْ يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لمْ...

أسوشيتد برس: ضغوط أميركية وإسرائيلية على السودان لتوطين (سكان غزة) في أرضه

متابعات: التحول كشف عدد من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين عن أن...

الإبادة السودانية

بيار عقيقي

“أُبلغ عن 221 حالة اغتصاب ضدّ الأطفال في عام 2024، في تسع ولايات. وفي 16 من هذه الحالات، كان الأطفال دون سنّ الخامسة، وأربعة رضّع دون سنّ العام الواحد”. ليس ما ذُكر مجرّد رواية كئيبة لكاتب منزوٍ في بؤسه، بل جزء من مقتلة لا تنتهي في السودان، الذي شارفت الحرب فيه، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على إتمام عامها الثاني في 15 إبريل/ نيسان المقبل. ما ذُكر جزء من إحاطة قدّمتها المديرة التنفيذية لمنظّة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، كاثرين راسل، أوّل من أمس الخميس، في مجلس الأمن. تخيّلوا فقط مدى قذارة عالم يُعتدى فيه على الأطفال، رغم أنهم لم يُطلقوا رصاصة الحرب ولا ساهموا فيها ولا شاركوا أيضاً. هو المشهد نفسه في السودان وغزّة وأوكرانيا واليمن وسورية، وفي كلّ مكان يحتاج فيه مجرمون إلى التصرّف أقوياءَ أمام أطفال لا يعرفون فعلاً ما الذي يجري حولهم.

الأرقام في السودان مهولة بحسب راسل: “حوالي 1.3 مليون طفل دون سنّ الخامسة يعيشون في بؤر المجاعة… ثلاثة ملايين طفل في الفئة العمرية نفسها معرّضون لخطر وشيك من تفشّي الأمراض المميتة… 16.5 مليون طفل أصبحوا خارج المدرسة”. تخيّلوا بلداً تعداده 1.3 مليون نسمة، مثل قبرص وإستونيا، لا يجد شعبه ما يأكله. تخيّلوا أن بلداً بعدد سكان يبلغ الثلاثة ملايين، مثل ناميبيا ومولدوفا، معرّض بكامله للأمراض المميتة. تخيلوا أن بلاداً بتعداد سكّان يبلغ 16.5 مليوناً، مثل زيمبابوي، ليس فيها متعلّم واحد لأسباب خارجة عن إرادته. الأرقام ليست وجهة نظر هنا. راسل أكدّت خلال إحاطتها أن ما أُفيد عنه هو ما تمكّنت فرق “يونيسف” من الوصول إليه. وفي بلادٍ شاسعةٍ مثل السودان، مليئة بالمخاطر المميتة، يبقى من الصعب إجراء إحصاء دقيق لكلّ الحالات التي تعرّضت للانتهاك خلال العامين الماضيين.

لم يعد ما يحصل في السودان حرباً على سلطة أو شرعية، بقدر ما هو إبادة شاملة لكلّ مفاهيم الإنسانية، خصوصاً أنها تحصل بيد سودانيين، لا بيد محتلّ. ليس في ذلك تبريرٌ أو حتمية ارتكاب محتلّ مثل هذه الفظائع، بل كثيراً ما يكون المرتكبون على صلة بالضحايا. لا تسمح ذهنية الإبادة لدى المجرمين في التطلّع إليهم عناصرَ يُمكن التحاور معهم، رغم العجز الأممي أو القاري عن استخدام القوة ضدّهم، بل إن أبسط ما يُمكن القيام به، هو إيجاد مناطق آمنة لإنقاذ ما تبقّى من إنسانية في السودان، إذا أمكن، ذلك لأن القضاء على المستقبل السوداني يحصل الآن، عبر قتل وتشريد والاعتداء على أطفاله. وبعد سنوات، يتحوّل الأطفال الناجون من حرب السودان اليوم، بأكثريتهم، مشاريعَ إرهابيةً ومجرمين، وقد يعتدون على أطفال كما اعتُدي عليهم، في استمرارية لدوامة لا تنتهي من العنف.

وبما أن حقيقة هذا العالم واضحة، بما فيها الأمم المتحدة، فإن مثل تلك المناطق لن تُشيّد، والحرب لن تنتهي إلا حين يملّ المتقاتلون، أو يُقتل أحد قادتهم، كعادة غالبية حروب القرون الماضية على وجه الأرض. المأزق أن الحروب التي تتوقّف اليوم، لا ينتهي مفعولها إلا لدى من لم يكن طفلاً فيها، وتمكّن من اجتيازها ولو بالحدّ الأدنى. المأزق أنه بعد 10 و20 عاماً، ستستعر موجة من العنف الاجتماعي، في أفضل الحالات، أو انهياراً سياسياً ـ أمنياً في أسوئها. وكأنّ هناك من يقول إن لا أمل بالعيش أو بناء مستقبل للسودان، بل إنه من الحتمي الانغماس في الحروب المتتالية. هذا ليس قدراً، ولو أن السودانيين لا يملكون خياراً تحت السلاح، لكنّه ليس قدراً. ليست الحرب السودانية حرباً عادية، ولو أنها منسيّة إلى حدّ كبير، بل إبادة شاملة لشعب يُسحق باسم الصراع على الشرعية وعلى السلطة. هل يهتم عبد الفتّاح البرهان ومحمّد حمدان دقلو لذلك؟… بالتأكيد لا.

العربي الجديد

spot_imgspot_img