بورتسودان: التحول
كشفت إقالة وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف بعد نحو خمسة أشهر من تكليفه بمهام منصبه عن فشل الدبلوماسية في تحقيق أهدافها أثناء الحرب الدائرة بين قوات الجيش والدعم السريع، ما قاد إلى المزيد من المشكلات مع المحيطين الإقليمي والدولي، وعدم القدرة على التعاطي مع الرغبة الجامحة لإسلاميين متنفذين في مؤسسة الجيش الاستمرار في الحرب ورفض الاستجابة لنداءات السلام.
وتسبب الدوران في توجيه اتهامات وكسب عداوات بدلا من توظيف استعداد دول الجوار لإنهاء الصراع، في الوصول إلى طريق مسدود أفضى إلى إقالة ثلاثة وزراء خارجية في غضون عامين، وسط غياب رؤية تؤكد عدم جدوى الحرب وفتح حوارات تساعد على تضييق حيّز الصراعات بدلاً من الاتجاه نحو مسار ظهر فيه السودان على حافة الانقسام.
وأعفى قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، مساء الخميس، وزير الخارجية علي يوسف الشريف، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف عمر بخيت، بعد أن تولى كلاهما منصبه في نوفمبر الماضي، ضمن تعديل وزاري محدود، شمل أيضا وزيري الإعلام والتجارة، وسط معلومات محلية أشارت إلى قائمة بإعفاء خمسة وزراء آخرين، بينهم وزير الدفاع.
وأكد الوزيران المقالان، علي يوسف وعمر بخيت، في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، قرار الإعفاء الذي لم يُنشر رسميًا، حتى ظهر الجمعة. وقال يوسف “أترجل اليوم وأنا راضٍ عمّا قدمت من أجل بلادي العزيزة، وسأظل جنديًا وفيًا لوطني، ووافر شكري وتقديري للزملاء الوزراء والمسؤولين الذين جمعني بهم التكليف وامتدت بيننا مساحات التعاون والتشاور والتناصر“.
وأدلى وزير الخارجية المُقال بتصريح في وقت سابق حول طبيعة انسحاب قوات الدعم السريع المفاجئ من الخرطوم ألمح فيه إلى أن الانسحاب جاء نتيجة اتفاق مسبق مع الجيش، وفسّر ذلك على أنه هو السبب في التعجيل برحيل الرجل. وبدد هذا التصريح صورة روجها الجيش، قالت إن ما تحقق في الخرطوم نتيجة لتفوق عسكري لقواته، كما تقدم مبعوث السودان لدى الأمم المتحدة بخطة حكومية تضمنت انسحاب قوات الدعم من الخرطوم إلى حواضنها في دارفور مقابل وقف الحرب.
وحوت وثيقة معنونة باسم “خارطة الطريق الحكومية على رؤية حكومة السودان في شأن تحقيق السلام والاستقرار في البلاد في ظل التطورات الراهنة”، وقفا لإطلاق النار، يتخلله انسحاب كامل من ولاية الخرطوم وكردفان ومحيط الفاشر.
وقالت مصادر قريبة من الحكومة السودانية لـ”العرب” إن الجيش نفى وجود اتفاق مع قوات الدعم السريع بشأن الانسحاب من الخرطوم، وردد أنه أجبرها على ذلك، لكن تصريحات لوزير الخارجية المقال أكدت على وجود خيارين لإنهاء الحرب، هما الاستمرار في العمل العسكري أو تطبيق خارطة الطريق وفقا لتفاهمات غير مباشرة.
تخبط إداري:
وأوضح المصدر ذاته أن الدبلوماسية السودانية لم تحقق المرجوّ منها، والدليل أنها كانت توكل بعض الدول للتحدث بلسانها لمناقشة الأزمة السودانية، وظل صوت قوات الدعم السريع بارزاً، وإن كانت عناصرها اتهمت بارتكاب جرائم إبادة ضد مواطنين. وأوضح أن هناك شعورا لدى الجيش بهذا الفشل، وأن تصريحات وزير الخارجية حول التفاهم مع الدعم السريع كانت القشة التي أدت إلى إقالته، في ظل تعدد الخطابات غير المتناغمة، التي كان يطلقها الجيش وحلفاؤه والحكومة ووزارة الخارجية.
وذهبت وزارة الخارجية باتجاه التعليق على الكثير من القضايا دون دعم رؤية الجيش بشأن الحرب وتطوراتها، وتأثر رئيس الدبلوماسية السودانية سلبا بسيطرة تنظيم الإخوان على مفاصل القرار داخلها، وتشكلت بؤر جعلت الوزارة غير قادرة على تقديم خطاب سياسي دقيق، ما عكس توالي الإقالات التي طالت أحد أقدم السفراء بالوزارة (علي يوسف)، وهو استمرار لاستبعاد كوادر وإهانتهم أمام الرأي العام.
ويُعد الشريف ثالث وزير خارجية منذ بداية الحرب تمت إقالته، فمع بدايتها كان علي الصادق وزيرا للخارجية وتم تعيينه مطلع عام 2022 ضمن تشكيل وزاري ضم 15 وزيرا، عقب إجراءات استثنائية قام بها البرهان في 25 أكتوبر 2021، منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ، ثم كلف بعده حسين عوض في أبريل 2024، وبعد ستة أشهر تعرض أيضا للإقالة وعيّن علي يوسف.
وتم ترشيح عمر الصديق ليشغل منصب وزير الخارجية خلفا ليوسف، ويتولى حسين الأمين وكيل الوزارة مهام إدارة العمل إلى حين يتم تعيين الوزير رسميا قريبا. وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب إن إقالة وزير الخارجية سوف تتبعها إقالات أخرى في الحكومة، ما يعبر عن تخبط إداري، وعدم وجود مؤسسات تؤدي أدوارها التنفيذية بكفاءة، وأصبحت توجهات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في الإقالات والتعيينات، وهو ما ظهر في اختيار وزير الإعلام خالد الأعيسر.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه بالرغم من تعطل دولاب الدولة، من المفترض أن وزارة الخارجية لديها مهام كبيرة، من المفترض أن تقوم بها، لأن الحرب تداخلت فيها أطراف ودول، ما يفرض المزيد من الجهد للحفاظ على مؤسسات الدولة، وأن تعيين السفير على يوسف كان مؤشرا على الاستعانة بأصحاب الخبرات، فهو متمرس وذو كفاءة، لكن الموقف تغير لأن الرجل له رؤية مختلفة عمّن يحيطون بقائد الجيش.
وأشار إلى أن توجهات الوزير المقال لم تتماش مع رغبة تنظيم الإخوان النافذ داخل الجيش في استمرار الحرب، ما قاد إلى حجب دور وزارة الخارجية في الكثير من المناسبات، ومنح الفرصة للمزيد من الحشد للحرب، وتمحورت رؤيته حول ضرورة فتح آفاق للحوار مع كينيا وتشاد ودولة الإمارات، ضمن خطته لتطويق الصراع، وحظي ذلك بدعم دول الجوار ممن لديها رغبة في وقف الحرب.
وتعبر قرارات الإقالة عن تخبط لدى القائمين على السلطة في السودان، فلم يتم تعيين حكومة طوارئ أو حرب تتماشى مع الأوضاع الراهنة، في وقت جرى الاعتماد فيه على حكومة لا تقوم بأدوارها من منطلق البحث عن الشرعية الدولية، ما يجعل عملية استبدال الأشخاص بآخرين لا تؤدي إلى نتائج إيجابية.