دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأفريقي إلى اتخاذ خطوات ملموسة لسد فجوة المساءلة، لتوسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كامل السودان، لمقاضاة مرتكبي الجرائم الجسيمة خارج دارفور.
وشددت المنظمة الحقوقية في بيان صحفي اطلعت عليه صحيفة “التحول”، على إنشاء آلية عدالة دولية خاصة بالسودان، على غرار المحاكم الخاصة في سيراليون ويوغوسلافيا السابقة.
وأصدرت هيومان رايتس ووتش هذا البيان بمناسبة حلول الذكرى العشرون لإحالة مجلس الأمن الدولي ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في ظل استمرار الانتهاكات الجسيمة في السودان. رأت أنه رغم مرور عقدين على القرار التاريخي رقم 1593، لا تزال العدالة بعيدة المنال لمعظم الضحايا، حيث يقتصر اختصاص المحكمة على دارفور، بينما تستمر الفظائع في مختلف أنحاء البلاد دون آليات فعالة للمساءلة.
وطالبت المنظمة بتشجيع الملاحقات القضائية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، حيث يمكن للمحاكم الوطنية في بعض الدول محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية بغض النظر عن موقع ارتكابها، مؤكدة على تعزيز دعم بعثات التحقيق الدولية والإقليمية، لضمان توثيق الانتهاكات وإعداد ملفات قانونية تساهم في محاكمات مستقبلية.
الإفلات من العقاب:
وقالت هيومان رايتس ووتش: ” منذ اندلاع الصراع الجديد في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، ارتُكبت جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة وكردفان. واعبرت أنه رغم جهود بعثات التحقيق الدولية والإقليمية، مثل بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، فإن غياب آلية قضائية دولية شاملة يمنح الجناة فرصة للإفلات من العقاب.
القيود على المحكمة
وأوضحت المنظمة الحقوقية: في يناير 2025، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اعتزامه تقديم طلبات مذكرات توقيف تتعلق بجرائم ارتُكبت في غرب دارفور بعد أبريل 2023، لكن اختصاص المحكمة ما زال محصورًا في دارفور فقط. ورأت أن هذا الوضع يبرز الحاجة الملحة لتوسيع نطاق اختصاص المحكمة ليشمل السودان بأكمله، وهو ما أوصت به بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في تقاريرها الأخيرة.
التحديات السياسية وتأثير العقوبات
ولفتت هيومان رايتس ووتش إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تواجه تحديات سياسية كبيرة، خاصة مع إصدار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا في فبراير 2025 بفرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة، ما قد يؤثر على عملها، بما في ذلك تحقيقاتها في دارفور. ودعت “هيومن رايتس ووتش” الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه العقوبات، وحماية استقلال المحكمة من الضغوط السياسية.
المحاكمة الوحيدة وغياب العدالة
وقالت المنظمة: على الرغم من مرور 20 عامًا على إحالة الملف، فإن محاكمة قائد ميليشيا “الجنجويد” علي كوشيب في المحكمة الجنائية الدولية لا تزال الوحيدة من نوعها. في المقابل، لم يتم تسليم الرئيس المعزول عمر البشير ومسؤولين سودانيين آخرين مطلوبين لدى المحكمة، ما يعكس استمرار عرقلة العدالة.
خاتمة: ضرورة التحرك العاجل
ويمثل مرور 20 عامًا على إحالة ملف دارفور فرصة للمجتمع الدولي لمراجعة استراتيجياته في تحقيق العدالة في السودان. لا يمكن انتظار عقدين آخرين لضمان محاسبة مرتكبي الجرائم، بل يتطلب الأمر إجراءات عاجلة لتوسيع نطاق المساءلة وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. فهل يكون العام 2025 نقطة تحول نحو تحقيق العدالة، أم أن السودان سيظل ساحة للإفلات من العقاب؟