spot_img

ذات صلة

جمع

السجن المؤبد 20 عاماً لمستنفر مع مليشيا الدعم السريع المتمردة

بورتسودان: التحول أصدرت محكمة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة...

مقتل قائد قوة من الدعم السريع حاولت التسلل إلى داخل الفاشر مع ( 15) فرد و تعطيل( 3) مركبات عسكرية

الفاشر: التحول واصلت القوات المسلحة بالفرقة السادسة مشاة بالفاشر...

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (13 – 20)

"لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم...

جنوب السودان يحقق حول توغل الدعم السريع واستيلائه على حامية “جربنتا” بالرنك

جوبا: التحولبث جنود تابعون لقوات الدعم السريع مقاطع "فيديو"...

المقابر الجماعية..هذا القاتل من ذاك السفاح

حيدر المكاشفي من أنباء القتل الجماعي ما أعلنته مؤخرا...

الشعب السُّوداني ليس عدواً لشعب السودان الجنوبي …ما عدا هؤلاء ||

بقلم: أتيم قرنق ديكويك
شعوب السودان الجنوبي وشعوب السودان الشمالي ارتبطت بعلاقات تاريخية قديمة طويلة متداخلة و معقدة شابها توتر و عنف و قهر و قسوة غير مبرر من طرف السودان، و لذا كانت علاقات نادرة المنافع المتبادلة لاختلال توازن القوة بعد دخول الحكم المصري التركي عام ١٨٢١ لصالح السودان الشمالي. هذه العلائق قديمة و متجذرة في اعماق الزمن؛ منذ ما قبل الدويلات المسيحية السودانية و مروراً بالممالك السودانية الإسلامية و الحكم الاستعبادي التركي المصري وصولاً لعام 2011. و خلال هذه المدة و الحقب الزمنية المتعاقبة مارس شعوب السودان -بالتضامن مع مستعمريهم – هيمنة عسكرية و ثقافية لدرجة الاستلاب الثقافي مما جعل الكثير من بعض الناس من شعوب السودان الجنوبي يأخذون الأمور بظواهرها كمسلمات و بديهيات و علي ضوئها يصدرون احكامهم (من منظور مستلبيهم) علي الاحداث و التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية التي تحدث بين هذه الشعوب المتجاورة
و من بين التصورات المخادعة و المضللة لهذا الاستلاب الثقافي توهّم بعض الناس ان هناك (شعب واحد في بلدين) و هو رأي لا يستقيم مع الحقائق التاريخية و يستهجنه كثير من المدركين بالتاريخ من شعب السودان الجنوبي؛ و يصفون مثل هذا الراي بانه غوغائي في اسلوبه و غير صادق في مقصده و إنما يعكس عمق الاستلاب الثقافي لدي دعاة هذه المقولة؛ كما انه و تعميقاً في التضليل يسمون حروبات التحرر و الانعتاق الوطني للسودان الجنوبي ب(الحروبات الاهلية)
و لو استفسرتَ من احد المستلبين عما كيف يعرف اهداف الوجود العربي في جنوب السودان لما يقارب القرنين و الذي انهيناها عام 2011، فلن تجد لديه الشجاعة ليقول بان غاية الوجود العربي كانت (احتلالًا عربياً قهرياً) و (استعماراً عربياً استغلالياً) لان مثل هذه الكلمات من التابوهات المصاحبة للاستلاب التي لا تخطر علي بال المستلب و يجد الدعم ممن استلبوه ثقافياً و يستهجنون افكار المقاومين للاستلاب و الذين يطلق عليهم صفات و نعوت مذلة وهي وسيلة من وسائل تأصيل الاستلاب مثل اطلاق صفات الحقد و الغبن و كراهية العرب و الاسلام و هو سلاح نفسي لتعميق عقدة الدونية.
نحن لا نجد صعوبة في تحديد نوعية العلاقة التي كانت تربط السودانيين الشماليين مع الحكم التركي المصري فالكل متفق بان تلك السلطة كانت (إستعمارية) علي رغم مما يربط مصر و السودان الشمالي من دين مشترك، و لغة مشتركة و تاريخ مشترك، و ماضي و مشاعر مشترك و مصير واحد مشترك. و الدولة المهدية هي دولة وطنية لدي السودانيين الشماليين في حين لم تكن هنالك فرق بين تلك الدولة و سابقتها لدي إنسان السودان الجنوبي. لان فترة وجودهما كانت تتصف بتجارة الرق و اصطياد انسان السودان الجنوبي للبيع مثله مثل اية سلعة سوقية.
و كما لا نجد صعوبة في تحديد و تسمية العلاقة التاريخية التي سادت بين السودانيين الشماليين و الحكم الثنائي المصري البريطاني علي أنها كانت علاقة المستعمَر مع المستعمِر. لكن الاستلاب العربي لدي بعض مواطني السودان الجنوبي يتجلي في العجز في تحديد علاقة التسلط العربي السوداني علي اهل السودان الجنوبي خلال فترة الحكم العربي الاسلامي 1956-2011! من هنا يبدأ و يتجلي الاستلاب الفكري في العجز و الاستحياء المنغمس في عقول الناس بحيث لا يجدون صفة واضحة لتلك العلاقة الملطخة بدماء اهل السودان الجنوبي.
منذ 1955 و حتي 2005 فرضت حكومات السودان العربي الاسلامي حروبات مدمرة علي السودان الجنوبي قتل خلالها ما يزيد علي مليونين من سكان السوداني الجنوبي، و علي رغم من هذا الدمار تمكن السودان الجنوبي من الاستقلال عام 2011. بقي السودان العربي الاسلامي و لم تدر في أذهان الساسة و محتكري السلطة في السودان احتمال وصول الحرب من تخوم السودان النائية و اشتعالها يومًا ما في مقر صنع الحرب و ادارة الدمار في الخرطوم و ود مدني؛ الا ان الدهر قَلَب لهم ظَهر المِجَنّ؛ و قامت حرب طاحنة رغم انها لم تصل ربع ما حدث في السودان الجنوبي من عنف و قتل و أغتصاب النساء و التشريد و النهب و الدمار. هذه الحرب الخرطومية عملت صدمة نفسية و فكرية و حتي عقائدية لدي مصاصي دماء الانسان السوداني؛ مما جعلهم يبحثون عن مصدر لعنتهم هذه؛ أهي من الشيطان الرجيم ام من اشرار غرب أفريقيا ام يا تري من اهل السودان الجنوبي (الحاقدين السكرانين الكفرة) ؟
اليوم، بعض السودانيين يهاجمون بشراسة أهل السودان الجنوبي علي حرب ليست لهم يد او جريرة ارتكبوها. هؤلاء لم يحددوا ما اشعلت حربهم و لذا مرةً يتهمون عرب الشتات في غرب أفريقيا و تارةً دولة الأمارات و الان دولة السودان الجنوبي. و من خلال صراخهم و كتاباتهم و تركيزهم علي السودان الجنوبي يقومون باطلاق نعوت و صفات و اهانات مشينة و بذئية و كاذبة علي انسان السودان الجنوبي في حرب ليست لنا منفعة فيها. و يتساءل الفرد في ذهول عن سبب هذا العواء الفاجر و الحقد الجائر و الغبن الفائر و الغضب الثائر وهذه الحملة الممنهجة و من يخطط و يقف خلفها؟ و من اجل التوضيح و تحديد الفئات السودانية التي تقف بعض صفوتها خلف هذه الحملة الإعلامية الإجرامية والتي جعلت السودان الجنوبي عدواً لها فإنني بالتحليل و معرفتي اللصيقة بانسان السودان توصلت لما يلي:
ليس لدي السواد الاعظم من الشعب السوداني اي ادني شكك في ان شعب جنوب السودان الجنوبي ليس عدواً للسودان رغم التأريخ الملئ بالدم والقهر! الا ان هنالك مجموعات محددة من السودانيين الذين يختلقون احقاداً هي من صناعتهم و افتراءاتهم و هؤلاء الكتاب يتوزعون بين الفئات الاجتماعية السودانية التالية:

١. مؤسسة الجيش السوداني و “الجهادية”الحديثة
عناصر هذه المؤسسة تحمل حقداً دفيناً في أعماق أُصولها التاريخية، و تعمل بجهد لا يكل علي تقويض دولة السودان الجنوبي. هذه المؤسسة هي الربيبة الشرعية للعقيدة العسكرية للاستعمار البريطاني في السودان 1898-1955؛ و الوريثة الاجتماعية لثقافة الجهادية في الدولة المهدية 1885-1898؛ و حاملة دناءة أخلاقيات البازنقر و الباشبزوك صائدو العبيد في فترة الحكم المصري التركي 1821-1885. (البازنقر كانت قوة عسكرية تتكون من عبيد و هي جيش تجار الرقيق و الباشبزوك كانت قوةً عسكرية قوامها من العبيد ايضا و هي جزء من الجيش الحكومي، و عند قيام الدولة المهدية، أُنشئت من عناصر هاتين القوتين علاوة علي عبيد جدد قوة عسكرية عرفت بالجهادية).
و مؤسسة الجيش هي الحاضنة الوفية لموروثات جيوش النهب و السلب في الممالك الاسلامية السودانية ١٥٠٤-١٨٢١. و مؤسسة الجيش هي اكبر عنصر في تخلف السودان و هي التي دعمت حديثاً تصنيف مواطني السودان علي اساس العرق، اللون, الدين و اللغة و ذلك من خلال حكمها للسودان ١٩٥٨-١٩٦٤و ١٩٦٩-١٩٨٥ و ١٩٨٩-٢٠١٩ و ٢٠٢٢ حتي يومنا هذا.
العناصر المثقفة من هذه المؤسسة و مليشياتها هي من بين الذين يهاجمون السودان الجنوبي و يعملون و يساندون كل من يحاول خلق الفضي و عدم الاستقرار في السودان الجنوبي بوسائل العنف و الحرب و الخراب. مؤسسة الجيش السوداني اكثر فئة سودانية لا تحمل مبادئ الدين، و لا تؤمن بقيم الإنسانية. و تتسم بالكذب و النفاق و القسوة و الكراهية لإنسان السودان الجنوبي. الحروبات التي خاضها هذه المؤسسة في السودان الجنوبي أمتدت لما يقارب اربعة عقود لم يحتفظ خلالها الجيش السوداني بأسير حرب واحد حتي لو كان جريحاً من مقاتلي انيانيا و الجيش الشعبي لتحرير السودان.
٢. احفاد تجار الرقيق و مُلاك العبيد
هذة الفئة تتكون من جماعات تعرف بالسادة “هم المستعربة، و العبيد هم ذوو الاصول الزنجية المحضة حتي و ان آمنوا بالله و كتابه و رسله و اليوم الآخر”حسب منصور خالد في الجزء الثاني من كتابه ‘النخبة السودانية و إدمان الفشل’. و المستعربة يتصرفون علي اساس انهم أوصياء علي الطبقة الاجتماعية الاخري غير مستعربة مسلمين او غير مسلمين. هذه فئة عديمي الرحمة و اهدافهم في الماضي و حالياً هو الاستفادة القصوي مادياً و اجتماعياً باستغلال الأخرين بالقوة و الشعوذة الدينية و غيرها من اساليب التحايل الاقتصادي و الروحي و الفكري. و هذه الفئة تمثلها حالياً ورثة و احفاد آل الزبير باشا و آل ابو قرجة و آل الكرقساوي و آل المهدي و احفاد خلفاء المهدي و آل عبدالحليم ود مساعد و آل نور عنقرة و أُسر بعض مشايخ الطرق الصوفية و قيادات الطوائف الدينية.
عناصر من هذه الفئة من السودانيين يتبنون افكاراً قديمة كانت سائدة قبل الحرب العالمية الثانية، حين كان الناس يقسمون علي اساس سادة و نبلاء يخدمهم (التوابع والمريدين). و هذه العناصر تؤمن بازلية الفوارق الطبقية و الاجتماعية بين الناس.
و هذه الفئة مع افندية كلية غردون التذكارية و مؤسسة الجيش، من أوائل من أعلمها و دربها و صنعها الاستعمار البريطاني و ورثت سلطة الدولة و الهيمنة و السيطرة علي مراكز صناعة القرار و احتكار مجالات الفكر و الثقافة و الاستئثار بمصادر الاقتصاد و المال.
و مشكلة بعض عناصر هذه الفئة مع السودان الجنوبي هو ان استقلال السودان الجنوبي احدث نقلة سياسية و فكرية لدي اهل الهامش السوداني المعروفون بالمهمشين و اهتزت و تزعزعت هيمنة هذه الفئة في شتي المجالات و هددت امتيازاتها. و الحراك الاجتماعي الذي يجتاح السودان فكريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا عقب استقلال السودان الجنوبي و ايقاظهم للوعي الحقوقي لشعوب السُّودان؛ هذه التطورات اغضبت هذه الفئة صبت غضبها علي السودان الجنوبي.

٣. أحفاد افندية كلية غردون التذكارية و صفوة جامعة الخرطوم
هم احفاد السودانيين الذين انضموا الي خدمة الغزاة حتي قبل معركة كرري و سقوط الدولة المهدية. خدام الغزاة، هؤلاء فطنوا مبكراً علي قوة التعليم الغربي و لذا لم يترددوا في ارسال اباءهم الي مدارس الاستعمار الانجليزي. خريجو تلك المدارس كانوا صفوة صنعتها الاستعمار صنعةً و انبهروا و تشبهوا بالانجليز في كل شئ بأستثناء الدين.
هذه الفئة مستنيره استنارة سقيمة مبنية علي الاستعلاء، افرادها كونوا ما يعرف بمؤتمر الخريجين و من هذا المنبر توزعوا علي الاحزاب السياسية الطائفية و هم يحملون قيم الثقافة الاستعمارية بما فيها مبادئ ادارة الدولة و فن السيطرة علي مؤسساتها و حيل الاستئثار بمصادر الاقتصاد و المال و احتكار تفسير الدين. و من بين افراد هذه الفئة نفر كانوا ذوو ثقافة ثاقبة متقدمون فكرياً و اعمق فهماً لقضايا السودان و مشكلاتها المصيرية بما فيها قضية جنوب السودان و هم قديماً ابراهيم بدري و محمود محمد طه و حديثاً: منصور خالد، و كانت مواقفهم و افكارهم مرفوضة لانها بمثابة الخروج عن المألوف و الطبيعي.
هذه الفئة ايضا سيطرت علي وسائل الاعلام و منابع الفكر و الثقافة و امتلكت سوق الكتب و الطباعة و النشر، و استحكموا علي مفاهيم و مناهج التعليم و التدريس. عناصرها ايضا نشطة و خبراء في تشكيل الرأي العام و تخصصوا في صياغة الشعارات المضللة، و بعض عناصرها حالياً يفتعلون الافتراءات و يختلقون الاكاذيب يروجون البهتان كحقائق عن الاوضاع في السودان الجنوبي.

٤. احفاد العبيد
هؤلاء السودانيون يشكلون وجودًا كبيرًا في المجتمع السوداني و قد ساهموا في تاريخ السودان بصورة كبيرة الا ان مؤرخي و مدوني التاريخ السوداني من فئة كلية غردون، لم يسلطوا ضوء المجد و البطولة و الوطنية علي ابطال احفاد الرقيق و انما سلطوا الضوء علي اعمال السادة المستعربين، متجاهلون الدور الفعال لاحفاد العبيد في تاريخ السودان. و المحير هو انه لا يوجد مؤرخ من أحفاد العبيد علي رغم من ان اعداداً مقدرة منهم كانوا من أوائل الذين اتيحت لهم فرصة التعليم مبكراً في الاعوام الأولى من الحكم الانجليزي المصري. و يقول محمد ابراهيم نقد في كتابه ‘علاقات الرق في المجتمع السوداني، توثيق و تعليق’ انه في عام ١٩٠٣ في الخرطوم كانت نسبة اطفال الرقيق المعتق في المدارس “٢٠٪ من تلاميذ المدارس كانوا من ابناء الرقيق المعتق” ص ١٤٧.
هذه الفئة عانى اباؤهم الظلم الاجتماعي و القهر الاقتصادي و الذي ما زالت أثاره النفسية تنعكس علي احوال و اخلاقيات وتوجهات احفادهم، لان السودانيين المستعربة و احفاد ملاك العبيد و تجار الرقيق يجترون و يسترجعون ماضي الاوضاع الاجتماعية لأسر احفاد الرقيق. افراد هذه الفئة الاجتماعية، رغم الحراك الاجتماعي الذي حدث في السودان الا انهم ما زالوا يتمسكون ببعض عادات وتقاليد ابائهم.
المجتمع السوداني الذي عاشوا فيه آباؤهم كان قائم علي تدرج إجتماعي هرمي: المسلمون المستعربة في القمة و هم السادة؛ يليهم مسلمون من أصول افريقية محضة و بعدهم العبيد المعتق، و في اخر السلم الاجتماعي السوداني يقبع سكان السودان الجنوبي الكفرة. و مازال هذا الترتيب الهرمي باقي في مخيلة الكثير من السودانيين. و في نفوس احفاد العبيد، و بعد أستقلال السودان الجنوبي صاروا في اخر السلم الاجتماعي السوداني. و ربما لهذا السبب توجد مجموعة من هذة الفئة في المجتمع السوداني لها توجهات عدوانية نحو انسان دولة السودان الجنوبي، علاوة لاسباب اخري ليس مجال سردها هنا.
علي ضوء ما تقدم عن التدرج الطبقي، كان علي العبد المعتق ان يجاهد من اجل تحقيق بعض من متطلبات الرقيق المعتق ليكون مقبولاً في المجتمع السوداني و هي ان تكون عربي/مسلم/ذو لون فاتح/ يجيد اللغة العربية/حافظًا للقرآن الكريم! من هنا كان اهتمام احفاد الرقيق المعتق منصب علي اثنين يمكن تحقيقهما، و هو حفظ القرآن الكريم و التبحر في علوم الدين و كواحد من متطلبات التحرر من وصمة العبودية. و في حالة الاميين منهم، كان من المهم الالتحاق و الالتصاق بمشايخ الخلاوي و شيوخ الطرق الصوفية؛ و فصاروا من حاملة الأباريق و دق الدفوف و قارعو الطبول و الاجتهاد في الإنشاد الديني في المناسبات الدينيه. العمل او المطلب الثاني الذي يمكن من يجيده للسمو في المجتمع السوداني، كانت اجادة اللغة العربية بما في ذلك قرض الشعر و قد أجادوا كثيراً في هذا المجال. و تعمقهم في اللغة العربية جعلهم من نقاد اللغة العربية. و اليوم يستهجنون اهل السودان الجنوبي متي تحدثوا او كتبوا لغة عربية غير فصيحة يعتبرونها تقلل من القيمة الاجتماعية للمتحدث أو الكاتب، لانها لديهم ان التحدث بلغة عربية سليمة هي من شروط السمو في السلم الاجتماعي في سودان التمييز العرقي و الديني و اللغوي و اللوني و الطبقي؛ و هو أنعكاس لموروث ثقافي متجذر في اعماق الدونية التاريخية.
ان ماضيهم المجحف ما زال يطاردهم في المجتمع السوداني رغم التحولات الجذرية في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية و السياسية في السودان و التي ساهم في تفعيلها أهل السودان الجنوبي الذين قدموا مفاهيم تقدمية كمبدأ التنوع التاريخي و المعاصر لسكان السودان في أعراقهم و دياناتهم و ألوانهم و لغاتهم و ثقافاتهم و فنونهم؛ و اليوم تعترف اغلبية السودانيين بواقعية مفهوم التنوع.
و يقول محمد إبراهيم نقد في كتابه ‘علاقات الرق في المجتمع السوداني توثيق و تعليق’ بان “عُوفي جسد المجتمع السوداني من علاقات مؤسسة الرق و الاسترقاق في شكله الاجتماعي الاقتصادي الملموس. لكن مخلفاتها النفسية و الثقافية و السلوكية تثقل كاهله، و لا عزاء في انها مخلفات الماضي . فرب مخلفات اشد وطأة من ضغوط الحاضر” ص (١٦)
و يضيف نقد في كتابه (ص ٧١) عن تسمية العبيد “باسماء عربية اسلامية ذات دلالة خاصة- اسماء واصمة مثل وسم المالك علي عنق الرقيق و كتف المواشي و الابقار و الإبل” و يوضح منصور خالد ذلك اكثر نقلاً من المؤرخ سبولدنق عن “انتقاء الاسماء كمظهر من مظاهر التمييز الاجتماعي بين طوائف مجتمع سنار” نخبة الحكام باسماء مثل: عجيب و بادي و عمارة و عدلان؛ في حين ان اسماء النبلاء تشمل: ابو زيد و علي و عبدالله؛ و عامة الناس باسماء مثل: بله و بُر و كمير؛ اما اسماء العبيد المسلمين: الله جابو وفضل المولي و رزق الله و خير السيد و قسم السيد و عبد السيد و خميس و جمعة و سبت و رجب و شعبان و رمضان و مرجان و ياقوت و الماظ ( منصور خالد: ‘النخبة السودانية و ادمان الفشل’ الجزء الثاني (ص: ٤٥٣)
و علي رغم من هذه الاسماء الواصمة و اجترار الماضي الظالم فان الانتماء الي السودان هو بالمواطنة علي ضوء ما يخبرنا به منصور خالد بان “قانون تعريف من هو سوداني ١٩٤٨ والذي اصبح اساساً لقانون الجنسية عام ١٩٥٧”. “جُعل ذلك القانون معيارُ الانتساب للسودان” بمعني أن “اساس الانتماء للسودان اصبح هو التوطن و ليس هو العرق و الدين و اللغة”.
أتمني ان يتخلص احفاد العبيد من ذكريات ماضيهم الأليم في السودان و يتوحدوا و يقوموا بمطالبة الحكومة السودانية بتقديم اعتذاراً رسميًا عما لحق بهم و آبائهم و اجدادهم من ظلم و إجحاف من بعض اسر السودانيين المستعربة و الدولة السودانية الظالمة منذ ايام الدولة المهدية حتي يومنا هذا!
٥. المؤتمر الوطني و حواضنه الاجتماعية و الايديولوجية
هذه الفئة حديثة في مسرح التفاعل الاجتماعي السوداني؛ و اساساً هي تنظيم سياسي صفوي التكوين و حضري التركيبة و ايديولوجي المذهب و ارهابي المنهج و اجرامي التعامل و التوجه و إقصائي الأهداف، و الغاية النهائية هي اقامة سودان عربي نقي عرقياً و اسلامي اخواني دينياً و الكل اذلاء مقهورون و صاغرون راضون.
معظم كتاب هذا التنظيم الاجرامي و حواضنه وظفوا انفسهم في اختلاق الاكاذيب و الضلالات عن جنوب السودان و مثلهم مثل الكثير من صفوة السودان يجهلون الكثير عن جنوب السودان و انسانه مما يجعل الكثير من كتاباتهم أضحوكة. و هذه الفئة الاجتماعية في المجتمع السوداني مهدد حقيقي علي وحدة السودان؛ لان افراد قياداتها انانيون و قلوبهم المريضة و مبدأهم هو: (لو فقدوا قيادة السودان فلتذهب الدولة السودانية أدراج الرياح)!
احدي غاياتها هي ان تفشل دولة السودان الجنوبي و تتبدد، و هي علي الاستعداد لمساندة كل مستلب في السودان الجنوبي يقوم باعمال تخريبية لزعزعة أمنه و استقراره؛ و هذا التوجه الاخواني الحاقد نابع من رواسب تاريخ الاستعلاء في مخيلة السودانيين المستعربة، و لذا يعتقدون انه طالما لا وجود للعنصر العربي في ادارة شؤون السودان الجنوبي فلا خير يرجى و لا دولة يبني.
خلاف هذه الفئات المذكورة، فأن الشعب السوداني ليس عدوًا لشعب السودان الجنوبي باي شكل من الأشكال؛ كما ان شعب السودان الجنوبي ليس عدوًا لشعب السودان لاي سبب من الأسباب.
مشكلة الشعبين في البلدين تنبع من استمرار سيطرة ائتلاف عناصر هذة الفئات او بعضها علي شئون السودان.
انتهى.

spot_imgspot_img