بورتسودان: التحول
في سياق الحرب المدمرة التي دخلت عامها الثاني، أصبحت الكوادر الطبية في السودان هدفاً مباشراً للانتهاكات والاضطهاد من قبل طرفي النزاع – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – في واحدة من أخطر أزمات تدهور القطاع الصحي في تاريخ البلاد.
وأفادت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان بمقتل أكثر من 230 طبيبًا، واغتصاب 9 طبيبات في ولاية الجزيرة، على يد قوات الدعم السريع، إلى جانب اختطاف طبيبتين واعتقال أكثر من 30 طبيبًا من قبل الطرفين المتصارعين.
وأكدت عضو اللجنة، أديبة إبراهيم السيد في تصريحات منشورة عبر وسائل الإعلام، أن نحو 8 آلاف طبيب قد هاجروا أو نزحوا نتيجة الظروف الأمنية القاسية، ما أدى إلى نقص حاد في الكوادر الطبية، وإغلاق حوالي 85% من المستشفيات والمراكز الصحية، الأمر الذي تسبب في تفشي الأمراض وازدحام المرضى في المرافق القليلة المتبقية.
في الوقت ذاته، تجددت الاشتباكات الدامية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، حيث وثقت منظمات محلية مقتل العشرات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وسط قصف جوي وهجمات بطائرات مسيرة تنفذها قوات الدعم السريع على الأحياء ومخيمات النزوح.
ود مدني: محرقة صامتة خلف القضبان
وعلى الجانب الآخر من المشهد، تستمر فصول الانتهاكات في مدينة ود مدني، التي استعاد الجيش السوداني السيطرة عليها في يناير الماضي. وكشفت متابعات صحيفة “دروب” عن وجود أكثر من 2000 معتقل، بينهم نساء حوامل، مرضعات، أطفال، وأطباء، تم احتجازهم بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.
ورغم إطلاق سراح ثمانية أطباء يوم السبت 20 أبريل، إلا أن نحو 7 من الكوادر الطبية ما يزالون قيد الاعتقال، في ظروف وُصفت بغير الإنسانية، تفتقر إلى الغذاء والماء والدواء، ما أدى إلى وفاة أكثر من 300 معتقل خلال أسبوعين فقط في مارس الماضي، حسب ما أفادت به “مركزية مؤتمر الكنابي”.
وكانت السلطات السودانية أعلنت عن بدء إجراءات محاكمة جنايات 950 متهماً، في محكمة جنايات ود مدني بولاية الجزيرة وسط مخاوف حقوقية من استخدام القضاء كأداة لتصفية حسابات سياسية.
المطالبة بمحاسبة الجناة
وتطالب نقابة الأطباء، وهيئات حقوقية محلية ودولية، بإجراء تحقيق مستقل في جرائم القتل والاغتصاب والاعتقال بحق الكوادر الطبية، ومحاسبة المسؤولين، مع توفير حماية عاجلة للعاملين في المجال الصحي، الذين أصبحوا ضحايا لصراع لا يرحم.
وفي ظل هذا الواقع المرير، يشير مراقبون إلى أن استهداف الأطباء والمرافق الصحية لم يعد مجرد عرض جانبي للحرب، بل أصبح جزءاً من استراتيجية ممنهجة لإسكات الشهود وإضعاف البنية التحتية الإنسانية في البلاد.