spot_img

ذات صلة

جمع

ختام الاجتماع التشاوري للقوى السياسية والاتحاد الإفريقي و”إيغادً” و

اختتم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعمال الاجتماع التشاوري...

اللواء ركن جمال جمعة يتسلم مهامه رسمياً قائدا للفرقة 18مشاة بالنيل الأبيض

كوستي: التحول تسلم اللواء ركن جمال جمعة قائد الفرقة...

السلطات السودانية تحظر قناة الشرق لحين إشعار آخر ونقابة الصحفيين تستنكر القرار

بورتسودان: التحول أبلغ مدير إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الثقافة والإعلام...

رسالة مفتوحة من عقار إلى رئيس كينيا ويليام روتو

بورتسودان: التحول وجه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك...

القوة المشتركة تصدر توجيهات إعلامية بخصوص المعارك القادمة في دارفور

الفاشر: التحول أصدرت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح التي...

الهاربون خوفاً من الجيش مواطنون أيضاً!

رشا عوض
عندما قرأت كتاب الاستاذ محمد ابو القاسم حاج حمد -رحمه الله- ” السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل” استوقفتني فكرة تخص الكاتب وحاول التدليل عليها باحداث تاريخية، وهي ان السودان بحدوده الموروثة ( حدود ١٩٥٦) ليس مجرد كيان موروث من الاستعمار ، بل هو وطن مشدود لبعضه البعض من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ومن اقصى الشرق الى اقصى الغرب بروابط متينة ومتجذرة في تاريخه وحاضره ولذلك فان للسودان معنى كامن يجب استكشافه، هذا المعنى الكامن وتلك الروابط حسب الكاتب ستعصم السودان من الانقسام! عندما قرأت هذا الكتاب كان جنوب السودان يتهيأ للانفصال بعد اتفاقية نيفاشا! حينها كنت كالغريق الذي يبحث عن اي قشة للتعلق بها وان كانت تلك القشة مجرد اعتقاد ميتافيزيقي في وحدة السودان مبني على تأملات وتفسيرات ذاتية لتاريخنا القديم والحديث! ولذلك حاولت بلا جدوى طمأنة نفسي بان الانفصال ربما لا يتم وربما يكون حاج حمد على حق في اعتقاده! ولكن وقعت الواقعة وانفصل الجنوب!
اثبتت تجربتنا الواقعية ان وحدة السودان ليست ناموسا طبيعيا سيفرض نفسه جبرا مهما كانت افعالنا الاختيارية تمضي في الاتجاه المعاكس لهذه الوحدة!
وحدة السودان لها استحقاقات تاريخية كبيرة دون الوفاء بها والاستبسال في سبيلها سوف نفقدها! وها نحن الان امام نذر التشظي وليس فقط الانقسام الى دولتين كما حدث عام ٢٠١١!! اليوم نعيش فعلا وبشكل مرعب في حالة ” تكاثر الزعازع وتناقص الاوتاد” على حد تعبير الدكتور منصور خالد رحمه الله !!
مشهد العربات البائسة المحملة بأثاث متهالك ومواطنين فقراء مرعوبين يفرون باتجاه غرب السودان بعد تقدم الجيش في بحري والخرطوم لا لسبب سوى انهم ينتمون لقبائل موصوفة في لغة هذه الحرب القذرة بحواضن الد.عم السريع ، هذا المشهد هو طعنة في خاصرة الوحدة الوطنية! والمحزن ان لا صوت رسمي او شعبي يعلو محتجا على هذا العار الكبير! وهل من عار اكبر من ان يفقد مواطن الامان لمجرد انتمائه العرقي او القبلي!
هل من عار اكبر من التنكيل بامرأة لانها باعت الشاي او الطعام لجنود الد.عم السريع او قدمت لهم الماء! والذين يباشرون هذا التنكيل هم عناصر النظام المنحط الذي صنع الجنجويد وقنن قوات الد.عم السريع وقدم لها مناجم الذهب وفتح لها خزائن الدولة!
الاسافير مغمورة بالحديث المكرر عن فرحة ” المواطنين ” كلما تقدم الجيش! لماذا يتردد هذا الحديث بعفوية وكبداهة رغم ان في مقابل فرحة البعض هناك خوف وهروب جماعي من مواطنين اخرين فما سبب هذا التعميم؟ السبب هو ان مفردة ” المواطنين” هكذا معرفة بالف ولام التعريف تعني الاشخاص المنحدرين من قبائل معينة ومناطق معينة ومن طبقة اجتماعية معينة! وهناك تواطؤ جمعي بين الممسكين بالقلم والمايكروفون في هذه البلاد على الاحتكار القبلي والجهوي لمفردة ” مواطن” واحتكار ما يترتب عليها من حقوق مادية ومعنوية!
لذلك لا صوت يعلو فوق الزغاريد و ” فرحة المواطنين” ولا احد لديه ادنى استعداد لسماع صوت ” مواطنين آخرين” يذبحون ويقتلون في “كنابي” الجزيرة! او يستغيثون اهلهم لاخراجهم من شرق النيل والكلاكلة والرميلة وغيرها لا لسبب سوى انهم مسيرية ورزيقات وللمفارقة حتى القبائل غير المصنفة كحواضن اجتماعية للد.عم السريع بل يقاتل ابناؤها في صفوف الجيش كالنوبة والمساليت وغيرهم من قبائل غرب السودان وجنوبه يخشون على انفسهم من مصير مشابه لاولئك الذين ذبحوا وقتلوا بالجملة في كنابي الجزيرة! وللمفارقة كذلك ان المسيرية والرزيقات لديهم ابناء يقاتلون في صفوف الجيش ، ولكن مشروع تقسيم الوطن يتعامى عن هذه الحقائق وتعمل اياديه الخفية والظاهرة على الفرز العرقي والمناطقي ودائما يدفع الفقراء من كل القبائل الثمن الاعلى! فجميع المواطنين الذين عاشوا طوال فترة الحرب في مناطق سيطرة الد.عم السريع، اجبرهم ضيق ذات اليد على البقاء ولكن المتآمرين على وحدة السودان والحالمين بدولة البحر والنهر الخالية من ” الغرابة” وزعوا ” تهمة التعاون مع الد.عم السريع ” بالتساوي على الفقراء والمساكين من قبائل غرب وجنوب السودان وعلى اساس هذه التهمة اصدروا الاحكام بالذبح والقتل بابشع الطرق” لإشاعة الرعب ودفع هؤلاء المساكين للفرار غربا! وللاسف كثيرون منهم عجزوا عن الفرار ولذات السبب: ضيق ذات اليد! وينتظرون مصيرا مجهولا ويرسلون الاستغاثات لاهلهم وذويهم لتدبير مبالغ تساعدهم على الهروب غربا او الى خارج السودان، وللاسف ابواق الحرب والعنصرية تردد ان هذه العربات المتجهة غربا هي عربات الدعامة المحملة بالمسروقات! ويطالب البعض بقصفها بالطيران ! في حين ان الدعامة يعرفون الطرق الامنة لانسحابهم ويجيدون تسريب مسروقاتهم وحمايتها منذ ان كانوا يهربون اطنان الذهب بالطائرات عبر مطار الخرطوم برفقة زملائهم في القوات المسلحة السودانية حين كان الجيش والد.عم السريع يدا واحدة في قمع ونهب الشعب السوداني وتلك قصة اخرى!
غالبية من تم قصفهم للاسف مواطنون هاربون لا حول لهم ولا قوة ! فأين حملات التضامن معهم من منظمات المجتمع المدني؟ اين اللجنة التي شكلها الجيش للتحقيق في مجازر الجزيرة ولماذا لا يتخذ الجيش تدابير واجراءات استباقية لحماية المواطنين العزل من بطش جنوده وجنود كتائب الكيزان المتحالفة معه ليثبت ولو لمرة واحدة انه جيش السودان وليس جيش الكيزان؟ لماذا لا يكون جيشا يجلب الامان والاطمئنان للجميع على اختلاف اثنياتهم وقبائلهم ؟ وما هو رأي انصار الجيش من غير الكيزان ولا سيما المثقفين الذين زعموا ان سبب تأييدهم للجيش هو الحرص على كيان الدولة وعدم ضياعها فما هي الدولة التي يقصدونها؟ اليس الشعب ( كل الشعب ) احد اركان هذه الدولة؟ ام ان هؤلاء المثقفين انفسهم وبشكل لا شعوري يفرقون بين المواطنين على اسس عرقية وقبلية!
مشهد الراحلين او بالاحرى الهاربين غربا ذكرني بمشهد الراحلين جنوبا عام ٢٠١١ مع اختلاف الملابسات والسياق، اذ كان رحيل الجنوبيين في اطار اتفاقية سلام وانفصال متفق على ترتيباته ولكن الهاربين غربا يرحلون الى المجهول في عز الحرب التي لا يعلم احد متى تتوقف!
الله يكضب الشينة

spot_imgspot_img