spot_img

ذات صلة

جمع

الكوادر الطبية في مرمى النيران: اغتيال 230 واعتقال أكثر من 30 طبيب واغتصاب 9 طبيبات في السودان

بورتسودان: التحول في سياق الحرب المدمرة التي دخلت عامها الثاني،...

“أحياناً نجمع عظاماً”.. متطوعون ينتشلون جثثاً “من كل مكان” بالخرطوم

الخرطوم: التحول منذ استعادة الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم الشهر...

مركزية الكنابي: مقتل وإصابة 3 أشخاص باطلاق نار من قبل قوات درع السودان

أعلنت مركزية مؤتمر الكنابي عن مقتل امرأة وإصابة اثنتين...

تحت ستار الحرب: عودة النقابات الموالية واختطاف التمثيل العمالي في السودان

بورتسودان: التحول

في السادس من أبريل 2025، أصدر مسجل عام تنظيمات العمل بوزارة العدل السودانية التوجيه رقم (1) لسنة 2025، القاضي ببدء إجراءات مراجعة وتوفيق أوضاع المكاتب التنفيذية للنقابات العمالية، تمهيدًا لإطلاق دورة انتخابية جديدة خلال أسبوعين. في خطوة اعتبرتها “تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية” محاولة مكشوفة لاختطاف التمثيل النقابي وفرض كيانات موالية في غياب أي مقومات لبيئة ديمقراطية حرة.

وقد سارعت تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية إلى إصدار بيان شديد اللهجة، تحصلت عليه صحيفة “التحول”، عبّرت فيه عن رفضها الكامل لهذا التوجيه، واعتبرته محاولة لإضفاء شرعية زائفة على كيانات موالية للسلطة، في غياب البيئة الديمقراطية، وفي ظل اختلال واضح لموازين القوى. كما نددت بـ”المهلة الزمنية القصيرة” التي لا تتيح أي فرصة للممارسة النقابية الحرة، ووصفت القرار بأنه “تزييف لإرادة العمال”.
في ذات السياق، أصدرت لجنة المعلمين السودانيين بيانًا منفصلاً، حذّرت فيه من عودة “نقابات النظام المباد”، خاصة في ولاية نهر النيل، متهمة إياها بممارسة الاستقطاعات غير القانونية من رواتب المعلمين، رغم انتهاء أجلها القانوني منذ سنوات، مما اعتبرته “نهبًا منظمًا” و”استغلالاً لأجواء الحرب لإعادة إنتاج أدوات القمع النقابي القديمة”.

واعتبرت تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية في بيانها: أن القرار جاء في مرحلة دقيقة من تاريخ السودان وتاريخ الحركة النقابية، حيث تشهد البلاد حربًا شاملة تسببت في نزوح وتشريد الملايين، وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، بما في ذلك البنى التحتية للنقابات. وتسائلت التنسيقية فكيف يمكن إجراء انتخابات نقابية نزيهة وعادلة في ظل غياب أبسط مقومات العدالة والشفافية والتمثيل المتكافئ. وأن البيان الذي صدر من المسجل يوم 6 أبريل 2025، وصف التوجيه بأنه “تزوير لإرادة العمال” و”شرعنة لكيانات صورية”، مستندًا إلى أن البلاد تشهد حالة طوارئ إنسانية، مع تهجير ونزوح ملايين المواطنين وانهيار تام للبنى التحتية بما فيها الهياكل النقابية.

وقالت الجبهات النقابية في بيانه: لقد تمادت السلطات في انتهاك حقوق العمال، بدءًا من عدم الإيفاء بسداد رواتبهم بشكل منتظم مرورا بالاستقطاع من تلك الرواتب دون وجه حق، وصولاً إلى استخدامها في دعم مجهودها الحربي بدلاً من تحسين أوضاعهم المعيشية والوظيفية. وشددت على رفضها لهذه الإجراءات التي اعتبرتها انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

وحذرت تنسيقية المهنيين والنقابة السودانية من أن أي عملية انتخابية أو مراجعة تنظيمية تُنفذ تحت وصاية أو إشراف السلطة الحالية، دون مشاركة حقيقية من قواعد العمال في القطاعات المختلفة، بانها ستكون باطلة ولا تمثل الإرادة الحرة للعمال.

في الوقت ذاته، أطلقت لجنة المعلمين السودانيين تحذيرًا من عودة ما اسمته بـ”نقابات النظام المباد”، متهمة إياها بممارسة خصومات غير قانونية على رواتب المعلمين في ولاية نهر النيل، رغم انتهاء أجلها القانوني منذ 2019 و2020، واصفة تلك الكيانات بـ”خيال المآتة” الذي عاد مستغلاً فوضى الحرب لتغذية مصالحه الضيقة تحت شعارات زائفة عن دعم الجيش.

سياق سياسي مضطرب:

يأتي هذا القرار الحكومي في وقت بالغ التعقيد؛ فالسودان يعيش واحدة من أسوأ أزماته التاريخية، بحرب مدمرة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، شردت أكثر من 10 ملايين شخص، وأدت إلى توقف الخدمات الأساسية وانهيار الهياكل المؤسسية، بما فيها النقابات التي كانت تعاني أصلًا من ضعف الهيكلة والتدخلات السياسية منذ عقود.

ووفقًا لمراقبين، فإن السلطات الحاكمة تسعى من خلال هذا القرار إلى إعادة السيطرة على الحركة النقابية، عبر إعادة تفعيل النقابات الموالية التي تم حلها بعد ثورة ديسمبر 2018، أو فرض كيانات “صورية” باسم الانتخابات. ويشير محللون إلى أن هذه الخطوة ليست سوى امتداد لمحاولات إحياء مؤسسات النظام السابق بواجهة جديدة، مستفيدة من انشغال الرأي العام بالحرب والمعاناة المعيشية.

نقابات أم أدوات قمع؟

يشير بيان لجنة المعلمين السودانيين إلى ممارسات محددة لما سمّوه “سماسرة العمل النقابي”، متهمينهم بخصم مبالغ تتراوح بين 4 إلى 8 آلاف جنيه من رواتب المعلمين شهريًا، تحت لافتات نقابية منتهية الصلاحية قانونيًا منذ 2019 و2020، رغم صدور قرار رسمي بحلها.

ويقول البيان إن هذه الاستقطاعات تُمارَس “باسم الاتحاد المهني للمعلمين والهيئة النقابية لعمال التعليم بولاية نهر النيل”، رغم أن كليهما لا يملك أي صفة قانونية حاليًا. وهو ما يعزز المخاوف من أن التوجيه الأخير بمراجعة أوضاع النقابات، ليس إلا محاولة لإعادة إحياء هذه الكيانات المهترئة، عبر بوابة الانتخابات الصورية.

ردود الفعل والمواقف

تنسيقية المهنيين والنقابات طالبت بتعليق جميع الإجراءات التنظيمية والانتخابية إلى حين عودة الاستقرار السياسي والأمني، وتهيئة بيئة حرة وآمنة.

دعت إلى مقاطعة شاملة من قِبل اللجان النقابية والتمهيدية.
وأعلنت عن الشروع في حملة دولية للتواصل مع الاتحادات النقابية الإقليمية والدولية، بهدف فضح محاولات السلطة لاختطاف التمثيل النقابي.

كما أعلنت نيتها تشكيل جبهة موحدة تمثل العمال السودانيين في الداخل والخارج، وتوثيق كل الانتهاكات بحقهم.

العمل النقابي كساحة صراع سياسي

يرى مراقبون من هيئات نقابية، أن ما يحدث ليس مجرد اختلاف إداري أو نقابي؛ بل هو امتداد لصراع سياسي عميق بين قوى الثورة والتغيير، من جهة، وبقايا النظام السابق والقوى العسكرية، من جهة أخرى. تسعى السلطة لإعادة بناء تحالفات اجتماعية تُمكّنها من الصمود داخليًا وخارجيًا، ويبدو أن النقابات – كواحدة من أذرع التعبئة – أصبحت هدفًا استراتيجيًا لهذه الجهود.

ومنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، واجهت الحركة النقابية موجات من التضييق، تمثلت في تجميد نقابات مستقلة. ومحاولات إحلال كيانات موالية، إضعاف اللجنة التسييرية لنقابة المحامين.السيطرة على نقابات التعليم والصحة عبر الأذرع الأمنية، والآن، تتجه السلطة لتكريس واقع جديد تُحتكر فيه الإرادة العمالية، عبر “هياكل تنظيمية زائفة”، لا تمثل إلا مصالحها الضيقة.

واعتبر خبراء نقابيون إن أي خطوة لإعادة هيكلة النقابات أو إطلاق دورة انتخابية جديدة، دون ضمانات كافية للشفافية والتمثيل الديمقراطي وحرية التنظيم، ستكون مجرد واجهة شكلية لشرعنة الهيمنة السلطوية. ويُخشى أن تؤدي هذه الخطوات إلى تمزيق الحركة النقابية أكثر، وحرمان العمال من أدواتهم التنظيمية الحقيقية في لحظة حرجة تحتاج فيها البلاد إلى صوتهم الموحد.

وأشاروا إلى ضرورة تجميد أي إجراءات تنظيمية أو انتخابية حتى نهاية الحرب. وتشكيل تحالف نقابي ديمقراطي مستقل عابر للقطاعات الجغرافية والمهنية. والضغط على المنظمات الدولية (مثل الاتحاد الدولي للنقابات ITUC) لإدانة هذه الخطوات والاعتراف بالتمثيل الشرعي للنقابات الديمقراطية السودانية. مع توثيق جميع الانتهاكات بحق العمال وتقديم ملفات قانونية للمؤسسات الدولية ذات الصلة.

    spot_imgspot_img