الرياض – التحول
إتفق السودان والمملكة العربية السعودية على إنشاء مجلس تنسيق مشترك لتعزيز العلاقات بين البلدين ودفع علاقات التعاون المشترك.كما بحث اللقاء سبل التوصل إلى هدنة بين طرفي النزاع، ما أثار جدلاً عن انسحابات لعناصر قوات الدعم السريع إلى دارفور وكردفان.
وتأتي زيارة البرهان للمملكة، التي توسطت في محادثات تهدف إلى وقف القتال في السودان، بعد طرد الجيش قوات الدعم السريع من معظم مدن ولاية الخرطوم في إطار معركة مستمرة منذ عامين للسيطرة على العاصمة.
وفي سياق المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع، أفادت تقارير إعلامية بأن وفدًا سعوديًا وصل إلى بورتسودان خلال الأيام الماضية لبحث سبل التوصل إلى هدنة بين طرفي النزاع. وبالتزامن مع تحذيرات أمريكية للطرفين، وافق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على وقف إطلاق النار غير المشروط، اعتبارًا من مساء 24 مارس 2025.
وينص الاتفاق على انسحاب قوات الدعم السريع إلى عمق دارفور وكردفان بأسلحتها الخفيفة، دون استهدافها خلال التنفيذ، بينما يلتزم الجيش بعدم المساس بأسرى الدعم السريع. كما يشمل الاتفاق الإفراج عن 314 ضابطًا من الجيش السوداني كانوا محتجزين في دارفور، والتوقف عن شن غارات جوية على مواقع الدعم السريع في كردفان ودارفور. وستتولى المبعوثة الأمريكية متابعة تنفيذ الاتفاق لضمان التزام الطرفين.
واعتبر مراقبون أن ما يتم من انسحابات قوات الدعم السريع وخروجها من الأعيان المدنية ومن منازل المواطنين جاء في أعقاب زيارة الوفد الذي يحمل مبادرة أمريكية سعودية، ووصفوا ذلك بأنه تطبيق غير معلن لاتفاق جدة ما يمهد العودة للتفاوض في ذات المنبر الذي ظلت تتمسك بمخرجاته حكومة بورتسودان.
وأطلع البرهان، ولي العهد السعودي على تطورات الأوضاع في السودان خاصة بعد التقدم الذي أحرزه الجيش السوداني في عدة جبهات من بينها العاصمة الخرطوم.
وقال السفير دفع الله الحاج سفير السودان لدى المملكة العربية السعودية في تصريح صحفي إن هذا المجلس سيسهم في تقوية وترقية علاقات البلدين ويدفع بآفاق التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات.
في إطار جهود تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة التطورات في السودان، التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث تناول اللقاء مستجدات الصراع الدائر في السودان والدور السعودي في دعم استقرار البلاد وإعادة إعمارها.
السياق العسكري والسياسي
تأتي هذه الزيارة عقب التقدم الميداني الذي أحرزه الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، حيث تمكن الجيش خلال الأيام الماضية من السيطرة على مواقع إستراتيجية، من بينها مطار الخرطوم الدولي وقاعدة النجومي الجوية، بالإضافة إلى عدد من المقار الأمنية. وقد أعلن البرهان أن العاصمة الخرطوم “باتت حرة” بعد هذه الانتصارات، بينما تواصل قوات الدعم السريع السيطرة على بعض المناطق في ولايات كردفان ودارفور.
ومنذ اندلاع القتال في أبريل 2023، خلف النزاع أكثر من 20 ألف قتيل، فضلًا عن نزوح ولجوء نحو 15 مليون شخص إلى داخل وخارج السودان، مما جعل السودان أحد أكبر بؤر الأزمات الإنسانية في العالم، وفق تقارير الأمم المتحدة.
وكان الجيش السوداني شن قبل يومين هجوما شاملا على الدعم السريع شرقي وجنوبي الخرطوم، سيطر خلاله على مواقع إستراتيجية من بينها مطار الخرطوم الدولي وقاعدة النجومي الجوية ومقار رئيسية تابعة لقوات الدعم السريع ومقر شرطة الاحتياطي المركزي، ليعلن البرهان أن الخرطوم “باتت حرة”.
وفي الفترة الأخيرة تسارعت وتيرة تراجع قوات الدعم السريع في ولايات عدة، منها الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق.
ومن أصل 18 ولاية تسيطر قوات الدعم السريع فقط على جيوب غرب وجنوب مدينة أم درمان غربي الخرطوم وأجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان. كما تسيطر على 4 ولايات في إقليم دارفور، في حين يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور الولاية الخامسة في الإقليم.
ومنذ أبريل/نيسان 2023 يخوص الجيش و”الدعم السريع” حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا آخرين، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
السعودية وإعادة الإعمار
إلى جانب التطورات العسكرية، بحث اللقاء الجهود السعودية لدعم السودان خلال المرحلة القادمة، حيث أوفدت المملكة وفدًا رفيع المستوى إلى الخرطوم لتقييم الاحتياجات الضرورية.
وأكد السفير السعودي علي بن حسن جعفر الذي ترأس وفد سعودي أنهى زيارة إلى السودان يوم الخميس، أن زيارة الوفد رفيع المستوى إلى السودان جاءت بتوجيهات من القيادة السعودية، بهدف لدراسة المشروعات العاجلة التي تسهم في استعادة الخدمات الأساسية، وتقديم الدعم الإنساني للسكان المتضررين.
وخلال لقاء مع مسؤولين سودانيين، أعلن الوفد السعودي عن وصول فريق من صندوق الاستثمارات العامة السعودي في أبريل المقبل لبحث المشروعات الاستراتيجية طويلة الأمد، ما يعكس التزام المملكة بدعم الاستقرار الاقتصادي في السودان. كما ناقش الجانبان المشروعات الخدمية في مجالات الصحة، الزراعة، وإعادة تأهيل البنية التحتية، بما يسهم في عودة النازحين إلى ديارهم.
تطلعات مستقبلية
وأكد البرهان خلال لقائه الوفد السعودي، يوم الخميس، على عمق العلاقات بين البلدين، مشيدًا بالمواقف الداعمة التي تبنتها القيادة السعودية تجاه السودان، لا سيما في ظل الأزمة الراهنة.
كما رحب وزير الخارجية السوداني علي يوسف أحمد بالوفد الزائر، معتبرًا أن هذه المبادرة تعكس عمق الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين.
من جانبه، شدد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم على أهمية الدعم السعودي في تهيئة الظروف الملائمة لعودة الاستقرار، مشيرًا إلى أن المملكة كانت دائمًا في مقدمة الدول الداعمة للسودان خلال الأزمات. كما أعرب عن تطلعاته لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في المرحلة القادمة.
تشكل زيارة البرهان إلى السعودية خطوة مهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، حيث تعكس استمرار الجهود الدبلوماسية السودانية للحصول على دعم إقليمي في ظل الأزمة الحالية. ومع استمرار التوترات الميدانية، يبقى التساؤل حول مدى قدرة السودان على تحقيق استقرار دائم، وسط تحديات داخلية وإقليمية معقدة.