بورتسودان: التحول
السبت: 30/ نوفمبر/2024
بعد نحو 19 شهرا من اندلاع الحرب في السودان، تبنى الكونغرس الأميركي قرارا يُصنف انتهاكات قوات الدعم السريع ومليشيات متحالفة معها في إقليم دارفور “إبادة جماعية”، في خطوة عدها مراقبون تحولا في الموقف الأميركي ستكون له تداعياته على مسار الحرب ومستقبل قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وطغى استخدام روسيا حق النقض “الفيتو” لتعطيل مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن بوقف القتال وحماية المدنيين بالسودان والتطورات العسكرية في ولاية سنار جنوب شرق البلاد، على مصادقة مجلس النواب الأميركي بالإجماع على مشروع قرار ضد “الدعم السريع” على خلفية ارتكابها “إبادة جماعية” في دارفور، وفي حق القبائل غير العربية.
خطوات متعثرة
مشروع القرار الذي تمت المصادقة عليه كان قد تقدم به في فبراير/شباط الماضي السيناتور الجمهوري جون جيمس والديمقراطيان بن كاردين وكوري بوكر، لكنه لم يجد استجابة في ذلك الوقت، مما اضطر مقدميه إعطاء الإدارة الأميركية مهلة 120 يوما للبت بشأنه، ومن ثم التصويت عليه.
مع ذلك لم يتم التصويت عليه، فتقدم النائب جيمس مرة أخرى في يونيو/حزيران الماضي بمسودة القرار الذي يحمل الرقم 1328، وهو الذي تم التصويت عليه ونال الموافقة بالإجماع الأسبوع الماضي.
وخاطب جيمس جلسة مجلس النواب متحدثا عن عدد القتلى في ولاية غرب دارفور وعن الأزمة الإنسانية في السودان بصفة عامة ودارفور بصفة خاصة، وأورد بالتفصيل أعداد المتأثرين بالحرب من النازحين واللاجئين وأعداد الذين يتهددهم شبح المجاعة.
ولمّح إلى دور جدي للإدارة الجمهورية برئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إزاء الحرب والمأساة الإنسانية في السودان وحماية المدنيين في دارفور، كاشفا عن أن القرار سيقدم للإدارة الجديدة “كبرنامج عمل مهم”، وسيكون داعما للشعب السوداني.
تطور نوعي
ويرى مراقبون موافقة مجلس النواب على القرار بالإجماع تطورا نوعيا وخطوة متقدمة من جانب المؤسسة التشريعية في الولايات المتحدة، بما لها من ثقل في النظام الأميركي.
كما سيكون للقرار -حال مساندته من مجلس الشيوخ– أثر كبير على مسار الحرب والأزمة الإنسانية في السودان، حيث إنه صادر بالإجماع، إلى جانب أنه جمهوري الأصل، مما سيتيح له الفرصة للنفاذ في ظل إدارة ترامب الذي سيتم تنصيبه رسميا في يناير/كانون الثاني المقبل.
وستتم إحالة قرار مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، الذي بدوره سيصوت على القرار، وفي حال حصوله على الموافقة من مجلس الشيوخ يحال القرار إلى البيت الأبيض للمصادقة عليه من قبل الرئيس، ويكون بعد ذلك قانونا نافدا.
أما في حالة امتناع الرئيس عن المصادقة عليه يصبح القرار غير ملزم، ويعد بمثابة توصية أو موقف سياسي، وعندها تقوم الجهات التنفيذية مثل وزارة الخارجية بالعمل مع المجتمع الدولي لتطبيق السياسات والتدابير التي يتضمنها القرار، كدعم المحاكمات الدولية، وفرض العقوبات، وإنشاء الممرات الإنسانية، وفرض الحظر على تصدير الأسلحة.
ازدواجية المشرّعين
من جانبه، يرى الناشط الحقوقي سليمان عبد السلام أن موقف الكونغرس الأميركي تجاه ممارسات الدعم السريع سيكون له تداعيات عدة على “حميدتي”، بجانب الدول والجهات التي تدعمه بالأسلحة وتمريرها، وعبور المرتزقة الأجانب، مما يفتح الباب أمام فرض عقوبات عليها، وإضعاف القوات بتعطيل حصولها على الأسلحة والدعم اللوجستي.
وحسب حديث الناشط للجزيرة نت، فإن موقف المشرعين الأميركيين سيشجع برلمانات أوروبية على تبني مواقف مماثلة، ويدفع نحو تصنيف الدعم السريع “جماعة إرهابية”، ويمكن أن ينتقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، ويحال إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما حدث في أبريل/نيسان 2005.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى قبل 19 عاما مشروع قرار فرنسي يقضي بإحالة مرتكبي التجاوزات بإقليم دارفور إلى المحكمة الجنائية، التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس المعزول عمر البشير في 2009، ثم وزير دفاعه عبد الرحيم حسين، ووزير الدولة للداخلية أحمد هارون.
أما المحامي السوداني والأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب طارق عبد الفتاح، فيرى أن الإجراء المؤثر في السياسة الخارجية الأميركية هو القرار الذي يصدر عن وزارة الخارجية وليس المؤسسة التشريعية.
ووفقا لحديث عبد الفتاح للجزيرة نت، فإنه سبق وأن وافق مجلس النواب الأميركي بالإجماع على قرار وقوع إبادة جماعية في السودان 3 مرات آخرها في 2004، وكل ذلك لم يحدث أثرا، حتى صدرت موافقة الخارجية الأميركية، وأقر الوزير كولن باول حينها بأن الانتهاكات في دارفور إبادة جماعية.
ويفيد الخبير القانوني بأن قرار المجلس بغرفتيه “النواب والشيوخ” قرار سياسي وليس له دور في السياسة الخارجية، كما أن موقف الوزير الحالي أنتوني بلينكن مغاير لموقف مجلس النواب، إذ اتهم الجيش والدعم السريع بارتكاب جرائم حرب على حد سواء.
وينتقد الحقوقي السوداني أعضاء الكونغرس، حيث إنهم صنفوا مليشيات في دول عدة “منظمات ارهابية” مع أنها لم ترتكب 10% مما فعلته قوات الدعم السريع التي أحجموا عن تصنيفها منظمة إرهابية، بغرض منحها فرصة الاحتفاظ بها كطرف في نزاع، لتتمكن من التفاوض للخروج بمكسب ولو يسير يحافظ لها على وجود ولو رمزي مع حاضنتها السياسية.
المصدر : الجزيرة