أحمد الملك
قلت لجدي المشغول بشراب الشاي: سيحضر رئيس اللجنة الشعبية اليوم!
أجفل جدي ووضع كوب الشاي أرضا، وقال ماذا يريد هذا التافه؟
قلت: يقول إنه يريد احصاء الأسرة بنفسه. يقول إننا نحصل علي حصة سُكّر أكبر من عددنا الحقيقي!
والحقيقة أنّ جدي هو الذي قام بتسجيل كل أفراد الأسرة حتى الموجودين خارج الوطن، أضاف حتى بعض الموتى، مفسرا ذلك بقوله: من العبقري الذي يستطيع أن يجد فرقا واحدا بيننا وبين الموتى!؟
وكل ذلك بسبب عشقه للشاي، حيث تظل ناره مشتعلة طوال اليوم وكانت حصة السكر التي تخص الموتى والأحياء تذهب معظمها الى جوفه، دون أن ترضي شيئا من نهمه المستمر الي الشاي.
قال جدي: هل فرغ هؤلاء الاوغاد من حلّ كل مشاكل الدنيا ولم يتبق سوى مشكلة رطل السكر الذي نكرم به ضيوفنا؟ قاموا بسرقة الديزل المخصص للموسم الزراعي وباعوه في السوق الأسود، لا يوجد دواء في المستشفى، والطبيب الوحيد هاجر من الوطن، المدرسة الابتدائية آيلة للسقوط فوق رؤوس التلاميذ ولا توجد مقاعد ليجلسوا عليها أو كتب أو أقلام. ولا عمل لرئيس اللجنة سوى إحصاء الناس لتوزيع السكر بالعدل وهو لا يرمي سوى لسرقة السكّر المتبقي لبيعه في السوق السوداء!
شرب جدي بقية كوب الشاي وقال لي متى سيحضر هذا الغبي؟
قلت: قال إنه سيحضر بعد صلاة الظهر.
وضع جدي خطته، سنختبئ نحن، وسوف تبقى النساء فقط في البيت وسنترك باب البيت مفتوحا.
جاء رئيس اللجنة الشعبية، وجد باب البيت مفتوحا، طرق الباب ولم يرد عليه أحد، تردد قليلا ونحن نراقبه من فوق السقف نحبس أنفاسنا حتى لا ننفجر في الضحك، ولأنه مسئول كبير، بحكم الدستور، فقد تقدم الي داخل البيت مثل عادة أهل الريف، وهو يصفق بيديه، أذكر قصة رجل في القرية كان يحب مصافحة النساء وكلما دخل الي بيت ما كان يتجاهل مكان الرجال وينطلق الي داخل البيت رافعا صوته مثل مذيع نشرة الاخبار: كيف حالكم يا أهل الدار!!
تقدم رئيس اللجنة الشعبية الى داخل البيت، حتى وصل الي صالة البيت الرئيسية وقام بتحية النسوة المشغولات بتنظيف القمح لإرساله الي المطحن.
في تلك اللحظة بالتحديد ظهر جدي فجأة وكأنه قادم من الخارج.
صرخ بصوت عال في الرجل الذي كان يحاول تحيته، ماذا تفعل هنا يا رجل وسط النساء؟
تلفت الرجل حواليه محرجا، وقبل أن يحاول استدراك الموقف قال جدي: كيف تدخل الي البيوت بدون إذن اهلها؟
ظهرنا نحن في تلك اللحظة حسب الخطة وصرخ جدي فينا: أين كنتم يا أولاد ليدخل هذا الرجل الي البيت ويجلس وسط النساء؟!
ناداني جدي: اذهب يا ولد واستدعي أحد رجال الشرطة!
ظهر أشقائي الكبار وهم يحملون العصي، وقال جدي بعد أن شعر بمأزق رئيس اللجنة الشعبية الذي ألجمته المفاجأة فلم يستطع النطق: ألا يوجد قانون في هذه البلد؟ كيف تدخل البيوت بدون اذن اهلها؟
كنت انا قد خرجت لاستدعاء البوليس وتسكعت في الفناء حسب الخطة، بدأ الرجل يعتذر: والله لم أكن أعلم انه لا يوجد رجال في البيت!
ارتاح جدي قليلا للانكسار الواضح في صوت الرجل وقال:
بالنسبة لي لا مشكلة لقد قبلت الاعتذار، لكن الاولاد لن يقبلوا ذلك.
تطاير الشرر من عيون أخوتي الكبار لدي سماعهم عبارة جدي، وقال أحدهما وهو يتقدم رافعا الجزء الحديدي من العصا: يجب أن نقتله!
امسك به جدي وصرخ فيه: انتظر، ذهب الولد لإحضار البوليس!
في تلك اللحظة التي وصل فيها الرعب الي مداه، وصل عمي حسب الخطة وقال بصوت عال هدوء يا اخوتي ما الذي يحدث هنا؟
قال جدي هذا الرجل دخل البيت بدون اذن ووجدناه جالسا وسط النساء!!
زجر عمي رئيس اللجنة الشعبية على تصرفه، وانتهر الاولاد في الوقت نفسه ليضعوا العصي جانبا ويتركوه لحل المشكلة.
قال جدي: ارسلنا الولد ليحضر البوليس، بيوت الناس ليست فوضى يدخلها كل من هب ودب!
أمر عمي أحد اخوتي ليجري لإعادتي قبل ان أصل الي نقطة البوليس، وصاح في النساء طالبا اعداد الشاي، معلنا: يا اخوتي هذا الرجل جارنا وان أخطأ فالمسامح كريم!
شعر الرجل ببعض الراحة وترقرقت دمعة في عينيه، طلب منه عمي الجلوس وذهب ليحضر الشاي، شرب الرجل الشاي وهو يكرر الاعتذار بأنه لم يكن يعلم بأن البيت ليس به رجال.
سأله عمي بلطف عن الغرض من الزيارة.
قال بعد تردد انه في الحقيقة جاء لإحصاء سكان البيت بعد ان وصلت شكاوى الي اللجنة أنّ الاسرة تحصل على كمية من السكر أكبر من الحصة القانونية.
وقال عمي: انت بنفسك تعرف استهلاك السكر مع عدد الاطفال الكبير والضيوف، انها وقية واحدة لكل فرد هي كل ما نحصل عليه من طاقة نستهلكها في عراك ركوب المواصلات العامة والشجار، الناس بسبب الفقر يشعرون بالتوتر لذلك يتشاجر الجميع مع الجميع طوال اليوم!
قال رئيس اللجنة الشعبية والله معكم حق.
وقال الجد: بالعكس نحن عددنا زاد، عدد من اقربائنا جاءوا من القرية للدراسة أو العلاج ويعيشون معنا. لا توجد فرص علاج أو تعليم في الريف!
قال رئيس اللجنة الشعبية: كلامك صحيح يا حاج!
أخرج رئيس اللجنة الشعبية بطاقة تموين جديدة من جيبه وقال، العدد المسجل هنا عشرين شخصا كم العدد الآن؟ قال جدي علي الفور: أربعين
رشف رئيس اللجنة الشعبية رشفة طويلة مصحوبة بخط موسيقي قبل ان يكتب: خمسة واربعين!
المصدر: صحيفة الراكوبة