جوبا: التحول
في تطور دراماتيكي جديد يُنذر بتفاقم الأزمة السياسية في جنوب السودان، أقال الرئيس سلفا كير، مساء الأربعاء، مدير جهاز الأمن الوطني ومستشاره الرئاسي لشؤون الأمن القومي، في إطار تغييرات رفيعة المستوى تأتي في ظل تصاعد التوترات مع نائبه الأول، الدكتور رياك مشار، المحتجز منذ أكثر من شهر.
وشملت القرارات التي بثها التلفزيون الرسمي إقالة الفريق أول سايمون يين مكواج من منصبه كمدير عام لجهاز الأمن الوطني، وهو المنصب الذي تولاه منذ أبريل 2021، وتعيين الفريق أول طوي شانج رياط خلفاً له.
كما أقال الرئيس كير المستشار الأمني السابق، الفريق طوي، من منصبه الذي شغله لثلاثة أشهر فقط، ليحل محله الفريق أول مدوت دوت يل، أحد الضباط المخضرمين في الاستخبارات العسكرية.
تحوّل في بنية الجهاز الأمني
تأتي هذه الإقالات وسط تحوّل ملحوظ في تركيز التعديلات الرئاسية، إذ باتت تطال قيادات جهاز الأمن الوطني، بعد أن كانت التغييرات تقتصر في السابق على الوزراء والمسؤولين العسكريين في الجيش النظامي.
ويُنظر إلى هذا التوجه باعتباره مؤشراً على سعي كير لإحكام السيطرة على مفاصل الأجهزة الأمنية، في وقت تتصاعد فيه الشكوك بشأن ولاء بعض المسؤولين على خلفية الأزمة السياسية المتصاعدة مع حركة المعارضة.
ويحمل تعيين الفريق مدوت دوت يل بعداً سياسياً لافتاً، إذ ينتمي إلى ولاية شمال بحر الغزال، ويتمتع بخبرة طويلة في العمل الاستخباراتي والدبلوماسي، حيث عمل ملحقاً عسكرياً في سفارة جوبا بالقاهرة، كما سبق أن شغل منصب نائب حاكم الولاية ذاتها قبل إقالته عام 2013. ويُعتقد أن ولاءه للرئيس كير كان سبباً رئيسياً في اختياره في هذا التوقيت الحرج.

احتجاز مشار يثير قلقاً دولياً
وتتزامن هذه التغييرات الأمنية مع تصاعد الضغوط الدولية على حكومة كير للإفراج الفوري عن نائبه الأول وزعيم المعارضة، الدكتور رياك مشار، الذي وُضع رهن الإقامة الجبرية في العاصمة جوبا منذ أواخر مارس، في خطوة اعتبرها كثيرون تقويضاً لاتفاق السلام المُنشط الموقع عام 2018.
وفي بيان مشترك شديد اللهجة، أعربت بعثات كندا، ألمانيا، هولندا، النرويج، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، إلى جانب وفد الاتحاد الأوروبي، عن “قلقها العميق” إزاء التدهور الحاد في الوضع السياسي والأمني في البلاد، ودعت إلى “التراجع الفوري” عن الإقامة الجبرية المفروضة على مشار، والإفراج عن حلفائه، بمن فيهم وزير النفط بوت كانغ تشول، المعتقل منذ مارس دون توجيه تهم رسمية.
وشدد البيان على أن “استخدام العنف كأداة للتنافس السياسي، والقرارات الأحادية التي تقوّض التفاهمات السياسية، تهدد بعودة البلاد إلى مربع الحرب الأهلية”، في وقت وصف فيه الوضع الراهن بأنه “الأسوأ منذ توقيع اتفاق السلام عام 2018”.
موقف أممي حذر وتمديد مؤقت للبعثة الدولية
في خضم هذه التطورات، صوّت مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء، على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) لمدة تسعة أيام فقط، حتى 9 مايو، وفقاً للقرار 2778 (2025)، وذلك بهدف منح أعضاء المجلس مزيداً من الوقت للتشاور حول الوضع السياسي المعقد.
وكان من المقرر أن تنتهي ولاية البعثة في 30 أبريل، لكن حالة الانسداد السياسي وتصاعد الخلاف بين كير ومشار دفعت المجلس إلى تبني تمديد قصير الأجل، وسط تحذيرات أممية متكررة من “انهيار محتمل في عملية الانتقال الديمقراطي”.
قمع في الولايات: مداهمات ومصادرة ممتلكات

وفي سياق متصل بتنامي القبضة الأمنية، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، بولاية شرق الاستوائية أن قوات الأمن أغلقت مكتب نائبة الحاكم ميري ألفونس لوديرا، وهي قيادية بارزة في جناح مشار، وصادرت سيارتها من منزلها، رغم أنها تتلقى العلاج خارج البلاد منذ ديسمبر الماضي في العاصمة البريطانية لندن.
واعتبرت الحركة الشعبية أن هذا الإجراء يمثل انتهاكاً واضحاً لاتفاق تقاسم السلطة، ويكشف عن “نزعة متزايدة نحو الإقصاء والتضييق على الشركاء السياسيين”، لا سيما مع تصنيف وزير شؤون مجلس الوزراء، الدكتور مارتن إيليا لومورو، لبعض المقاطعات بأنها “صديقة” وأخرى “معادية”، في تصريحات وُصفت دولياً بأنها “تحريضية وخطيرة على وحدة البلاد”.
مصير مجهول للسلام
تأتي هذه التطورات وسط شكوك متزايدة حول إمكانية تنفيذ بنود الاتفاق المُنشط، مع اقتراب البلاد من نهاية المرحلة الانتقالية دون إحراز تقدم في الملفات الجوهرية مثل صياغة الدستور، والإصلاح الأمني، وإجراء الانتخابات.
ويحذر مراقبون محليون ودوليون من أن استمرار الصراع بين كير ومشار يعيد إنتاج مشاهد الانقسام والانهيار التي عاشتها البلاد خلال الحرب الأهلية بين عامي 2013 و2018، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
ويبدو أن المجتمع الدولي، رغم إدانته الواضحة لتحركات كير، لم يتخذ حتى الآن خطوات عملية ملموسة، باستثناء البيانات الدبلوماسية والضغوط السياسية المحدودة، في وقت تتفاقم فيه الأزمة على الأرض، وتتزايد مؤشرات انهيار النظام الانتقالي الهش.
عام على اختفاء لكاهن كاثوليكي:
مرّ عام كامل منذ اختفاء القس الكاثوليكي لوكا يوقوي وسائقه مايكل قبيكو في ظروف غامضة بولاية غرب الاستوائية في جنوب السودان، دون أن تُفضي التحقيقات إلى أي نتائج، ما يزيد من شعور الإحباط واليأس لدى عائلتيهما والمجتمع الديني والحقوقي، وسط تصاعد القلق من تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب في البلاد.
وبحسب التقارير، فقد اختُطف القس لوكا يوقوي وسائقه مايكل قبيكو، على يد مسلحين مجهولين في 27 أبريل 2024، أثناء سفرهما من مقاطعة ناجيرو إلى مقاطعة طمبرا، ولا يزال مكان وجودهما مجهولا.
وفي بيان هذا الأسبوع، أحيا الأسقف إدواردو هييبورو، مطران أبرشية طمبرا ويامبيو الكاثوليكية، الذكرى السنوية المؤلمة لإختطاف الرجلين، ودعا إلى تجديد الجهود للعثور على الرجلين المفقودي.
وقال هييبورو: “لقد مر عام، وصمتهما تطاردنا، اختفاء القس لوقا ومايكل ليس مجرد خسارة شخصية، إنه جرح في قلب مجتمعنا، ونحث حكومة جنوب السودان وقوات الأمن والشركاء الدوليين على تكثيف التحقيقات وضمان المساءلة.

“لم تقام أي ذكرى عامة هذا العام؛ بسبب فترة الحداد التي أعقبت وفاة البابا فرانسيس وانتخاب خليفته”. لكن الاسقف هييبورو، شجع على الصلوات الخاصة والتضامن.
فشل السلطات:
وانتقد إدموند ياكاني، المدير التنفيذي لمنظمة تمكين المجتمع من أجل التقدم، السلطات لفشلها في حل القضية، معتبرا أن “اختفاء رجل الدين مسألة قلق بالغ”. وتابع “أنها لا تتعلق فقط بالقس لوكا ومايكل؛ بل تتعلق بإرسال رسالة واضحة مفادها أنه لن يُتَسَامَح مع الجرائم المرتكبة ضد الشخصيات الدينية.
ودعا ياكاني، وهو ناشط بارز في المجتمع المدني، إلى إجراء تحقيق مستقل، محذراً من أن الهجمات على رجال الدين ترقى إلى “عمل حرب ضد الروح القدس.
من جانبه، قال ماتوندو مارتن بيتر، شقيق القس “يوقوي”، لراديو تمازج من يامبيو، إن العائلة تشعر بأنها مهجورة، مضيفا “لم نسمع أي شيء من الحكومة، نحن عالقون، حزينون، ولا يوجد ما ينهي هذا الوضع.
وأعرب عن أسفه على عدم حضور أي مسؤولين للصلوات التذكارية الأخيرة. تشهد ولاية غرب الاستوائية تصاعدا في العنف، حيث غالبا ما تمر عمليات الاختطاف والهجمات دون عقاب. وعلى الرغم من عدم وجود إجابات.