صلاح شعيب
في هذه الأيام يواجه كثير من المواطنين العزل عموماً، وأبناء غرب السودان خصوصاً، وأعضاء لجان المقاومة، وبعض المشرفين على التكايا في البلاد، حملات اغتيال ممنهجة على الطريقة الداعشية، والتي يوثقها ذات القتلة بلا خوف، أو وجل، من سلطات قانونية محلية، أو دولية.
وقد أصدرت “مجموعة محامو الطواريء” بيانا جاء فيه أنها “وثقت مقاطع فيديو تصفيات ميدانية نفذها أفراد من الجيش السوداني إلى جانب المجموعات التي تقاتل معه، بحق أسرى ومدنيين في أحياء محلية الخرطوم وجبل أولياء، بما في ذلك بري، الجريف غرب، الصحافات، مايو، الأزهري، والكلاكلات.”
ولعل الذي يجري في المناطق التي يسيطر عليها جيش الحركة الإسلامية سيطال آجلا أو عاجلاً كل الأفراد الذين ينتمون إلى القوى الحزبية التي شاركت في إسقاط المؤتمر الوطني المنحل، خصوصاً بعد أن صدرت تهديدات موثقة ضد المنتمين لهذه القوى، والتي تم دمغها بأنها حاضنة للدعم السريع. ومن ناحية أخرى يمثل الانتقام من الثوار كل الثوار المعروفين الذين أطاحوا بالحزب هو المشروع الأساسي لدواعش الحركة الإسلامية الذين وجدوا الفرصة مؤاتية لاستباحة دماء هولاء الأبرياء.
فبعد انسحاب الدعم السريع من مدينة الخرطوم، وبحري، واصل دواعش المؤتمر الوطني ومؤيدو حربه، ما بدأوه في الجزيرة من قتل للمواطنين بالطرق الوحشية كافة. فبعد أن نكلوا بمن سموهم المواطنين المتعاونين، ولجان المقاومة، وسكان الكنابي، جاءت حصة أجزاء من العاصمة المثلثة. وبين كل يوم وآخر تخرج لنا الميديا الحديثة أصنافاً من الفيديوهات البشعة التي تصور شباباً لا حول لهم ولا قوة، وهم يساقون إلى حتفهم بلا أي ادعاء قانوني أو محاكمة أمام قضاء نزيه. وكل هذا يحدث تحت سمع، ومرأى، سلطة بورتسودان التي لا تحرك ساكناً لإدانة هذا الفعل حتى شجعت مباركتها للقتل خارج مظلة القانون حدوث المزيد من الانتهاكات التي تروع النفس السوية.
لقد تاجر إعلام الحركة الإسلامية بدماء أبناء الجزيرة الذين واجهوا التنكيل تحت قيادة كيكل الذي صار بطلاً قومياً. ولكن هذا الإعلام الخادع يمارس الآن البيات الشتوي، فلا عينه رأت، ولا أذنه سمعت. وهذا هو الإسلام السياسي في نسخته الحقيقية حيث لا يحكمه أي وازع ديني، أو موقف أخلاقي. والحقيقة أن وزر استدراج الدعم السريع إلى الجزيرة يتحمل مسؤوليته الكبرى جيش الحركة الإسلامية بقيادة البرهان الذي قال إنه كان على تواصل مع كيكل، وقاعدته القبلية، لتوريط الدعم السريع في الانتهاكات التي سارت بها الركبان حين صدرت أوامر البرهان بالانسحاب من الجزيرة.
لقد مللنا القول من قبل إن هذه الحرب لا تستهدف فقط الدعم السريع، وإنما في جوهرها تستهدف عرقلة انتقال ثورة ديسمبر، وإنهائه، حتى يتيسر للمؤتمر الوطني استرداد كامل نظامه. إذ هو لم يكتف بوجوده كدولة عميقة تهاونت قوى الحرية والتغيير في التخلص من رموزها، ولذلك أراد الحزب المنحل تدبير مكيدة الحرب بعد أن فشل في تحقيق أمانيه بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
لقد وقع عدد كبير من المثقفين، والسياسيين، والأفراد، في الفخ الإعلامي الذي نصبته عصبة المؤتمر الوطني لتشويه سيرة قادة، وكوادر القوى السياسية التي اضطلعت بأمر قيادة الانتقال الديمقراطي، ناسين أن الدائرة قد تدور عليهم يوماً ما متى ما هُزم، أو انسحب، الدعم السريع من المناطق التي يسيطر عليها. وها هي دواعش الحركة الإسلامية تنكل هذه الأيام بشرفاء ثورة ديسمبر في الجزيرة، ومناطق واسعة من الخرطوم. وقد وقفنا على الأنباء المتداولة عن تصفيات لحقت نحو العشرين، أو الثلاثين، من نشطاء منطقة بري ليلحقوا بمصير أعضاء مقاومة الحلفايا السبعين الذين تداولت الأنباء خبر ذبحهم على أيدي دواعش الحركة الإسلامية.
إن الانقسام المجتمعي، والسياسي، الذي أسهم إعلام المؤتمر الوطني، ودعاة الحرب المغرر بهم، في تجذيره داخل المشهد السياسي شكل رافعاً أساسياً لتراجع دور المدنيين المستنيرين في السيطرة على الرأي العام، وتوجيهه لخدمة أهداف إيقاف الحرب. وها هنا وجد إعلام المؤتمر الوطني، والبلابسة، الفرصة لابتزاز القادة المدنيين الذين قادوا ثورة ديسمبر من كل التيارات.
ولذلك إذا لم تتوحد القوى المدنية في جبهة مناهضة الحرب، فإنه يُصعب الآن على جميع كوادر الحركة السياسية المركزية في الداخل المقاومة الفردية لبطش هؤلاء الدواعش الذين لا يفرقون بين المنتمي إلى التجمع الاتحادي، أو الحزب الشيوعي، أو المنتمي لحزب البعث، أو حزب الأمة القومي.
بل إن أولئك الثوار من البلابسة الذين كانوا يرون ضرورة حتمية لانتصار الجيش بوصفه المؤسسة الوطنية التي تحمي وحدة البلاد سوف تنتهي مهمتهم التي أدوها بامتياز في تسعير نار الحرب، وعندئذ سيرتد “البل” عليهم فرادى، وجماعات. وكل ما مر يوم وطد فيه المؤتمر الوطني وجوده في الخرطوم ستتضاعف حملات الدواعش الانتقامية لتكون حربهم ضد الكل الثوري ما دامت سلطة بورتسودان بصمتها تثبت مباركتها الانتهاكات العظيمة للمواطنين الأبرياء في المناطق التابعة لها. والحال هكذا سوف نشهد جرائم داعشية متطورة يندي لها الجبين، وذلك في ظل غياب أي مظهر من مظاهر التقاضي، وسيطرة شريعة الغاب في المناطق التي يسيطر عليها جيش الحركة الإسلامية، بالإضافة إلى الاستفزازات التي يبث فيديوهاتها ضباط إسلاميون عن تحرير مبنى المؤتمر الوطني، ومنزل الترابي دون بقية المناطق، ومنازل القادة السياسيين الآخرين.
على قادة المؤتمر الوطني، وقادة جيش الحركة الإسلامية، أن يدركوا تماماً أن الاغتيال الداعشي الذي يعتقدون أنه رسالة موثقة لكل الناشطين ضدهم لن تثني ثوار ديسمبر متى ما وضعت الحرب أوزارها في مقاومة كل مستبد إسلاموي جديد يعتقد أنه يمكن إرجاع عقارب الساعة للوراء.