أتيم قرنق – جنوب السودان
طالعتُ مقابلة صحفية مع سعادة السفير محي الدين سليم أحمد، رئيس بعثة الجامعة الدول العربية في جنوب السودان، منشورة في صحيفة الموقف الصادرة في جوبا يوم الخميس 12 ديسمبر 2024 العدد (2295)، و أستوقفني سؤال استفساري من الصحفي لسعادة السفير مفاده (هل سيتم منح جنوب السُّودان العضوية الكاملة بالجامعة العربية في المستقبل؟) و هو سؤال لم يأت من الفراغ و انما اراد الصحفي بذكاء وطني سبر غور صدقية ما تداولته وسائل الاعلام المحلية خلال السنوات الماضيه مؤداه ان جنوب السودان تقدم بطلب الانضمام لجامعة الدول العربية، الشئء الذي لم تنفيه او تاكده آنذاك اي جهة حكومية و بقي الموضوع يشغل عقول الكثير من المواطنين.
و اهمية هذه المقابلة الصحفية تكمن في أنها نفت بصورة قاطعة عدم تقديم اي طلب من دولة جنوب السودان لعضوية جامعة الدول العربية. و رد سعادة السفير كان واضحا و صريحا و بلا غموض علي النحو التالي: (حتي الآن العضوية المقترحة هي مراقب فقط و هي مسألة متاحة من خلال ما يعرف بسياسة الجامعة العربية تجاه الدول العربية المجاورة. هناك استراتيجية و سياسة اقترحتها جامعة الدول العربية منذ سنوات للدول المجاورة، لخريطة الدول العربية و جنوب السودان من الدول المجاورة للمنطقة العربية هنالك دول مجاورة للمنطقة العربية مثل تشاد و أثيوبيا و اريتريا سيتم ايضا منح تلك الدول عضوية مراقب) و بهذا الحديث يكون باب الإشاعات المغرضة بان جنوب السودان قد تقدم بطلب عضوية الجامعة العربية قد اغلق لابد الآبدين. فجنوب السودان لم يتقدم باي طلب سواء كان للعضوية او بصفة مراقب. و واضح ان الأمر المتاح لدول الجوار(غير عربية) هو إمكانية طلب صفة المراقب، و حتي هذه الإمكانية ما زالت في مرحلة الاقتراح لدي الجامعة العربية. .
ما نريد ان نشارك به هنا مع مواطنيننا هو ان جامعة الدول العربية هي منظمة تتوفر فيها عناصر الوحدة و القوة لأعضائها، لانها عبارة عن تجمع للدول يؤمن سكانُها بانهم ينتمون لاصل واحد و يتحدثون لغةً واحدة و يعتنقون ديانة واحدة و لديهم تأريخ مشترك، و يتمركزون في جغرافيا مشتركة و مترابطة، و مصيرهم واحد، و غيرها من اسباب الإتحاد و الوحدة. الا أن جامعة الدول العربية هذه، هي واحدة من أضعف و أوهن من بيت عنكبوت ومن أفشل التجمعات الإقليمية. تتميز علاقات الدول فيها بتوتر و تصارع ناتجة عن اختلافات عميقة في انظمة الحكم و الارتباطات الدولية المتعارضة، هذا من جانب، و من جانب اخر فإن الدول الغربيه و علي رأسها الولايات المتحدة الاميركية لن تسمح للدول العربية ان تكون قوية و موحدة لان ذلك تعني زوال اسرائيل؛ و ما يحدث الآن في الشرق الاوسط و ليبيا و السودان و الصومال هو دليل الوهن و الضعف الذي يستحكم في مفاصل جامعة الدول العربية و تستغلها الدول الغربية بصورة مدمرة.
جامعة الدول العربية وقفت ضد تطلعات شعب جنوب السودان منذ إنشائها في ١٩٤٥. كانت تتلغف و تصدق الدعاية العرجاء التي كانت تلوكها و تنشرها الحكومات المتعددة في السودان بان نضالات جنوب السودان هي ضد العروبة و الإسلام و هما عنصران مهمان من ثوابت مبادئ الجامعة. و علي ضوءً ترويج هذه الدعاية الكاذبة ساهمت العديد من الدول العربية في دعم المجهود الحربي ضد شعوب جنوب السودان منذ ١٩٥٥ حتي ٢٠٠٥ و علي رغم من انتهاء الحرب باستقلال دولة جنوب السودان فإن الجامعة لم تساندها علي الخروج من دمار الحرب الذي ساهمت فيه الدول العربية. كما لا يوجد اي استثمار عربي في جنوب السودان. النشاط الاقتصادي العربي في جنوب السودان عبارة عن أعمال تجارية صغيرة تقوم بها بعض المغامرين من مواطني دول الجامعة العربية المتواجدون في جنوب السودان، فهي عبارة عن تجارة مشبوهة لا تحمل صفة الاستثمار الاقتصادي و انما تنطوي علي غسيل اموال و لا تساهم في تنمية أقتصاد جنوب السودان باي صفة
لا أعتقد ان هناك مواطن واحد يريد ان يكون جنوب السودان عضواً في جامعة الدول العربية، و لو وجد من تراودهم مثل هذه الفكرة فهم افراد يعملون ضد وطنهم و يمكن تصنيف هذه الفكرة بأنها خيانة لسيادة الوطن؛ و اصحابها مثلهم مثل الذين وقفوا ضد إستقلال الوطن اثناء حرب التحرير. لا يوجد ما يمكن الاستفادة من عضويتنا في جامعة الدول العربية اقتصاديًا وسياسيا وعسكريا و تكنولجيا او دبلوماسيًا. اين ليبيا و العراق و سوريا و لبنان و الصومال و كيف هي الأوضاع في فلسطين (غزة/الضفة) و السودان و اليمن؟ و سوريا تحت الاحتلال الامريكى و الايراني و الروسي و الاسرائيلي و التركي، أين الجامعة العربية؟
و مَن مِن صفوة اهل جنوب السودان لم يسمع و لم يقرأ موقف جامعة الدول العربية من قضية سد النهضة الإثيوبي الافريقي التنموي؟ الجامعة العربية عبارة عن تجمع تعمل ضد الضعفاء، و نضال شعب جنوب السودان مثال حي علي ذلك. الجامعة ليست لديها وكالات متخصصة لمساعدة الدول، حتي من عضويتها التي تواجه ظروفًا انسانية صعبة، فهي ليست مثل الاتحاد الاوروبي الذي يعتبر مثال رائع لتجمع قاري متين هادف، و ان تأبط الاستعمار الحديث في ثنايا المنح و الهبات، فهو يقوم بسند ملموس في مجالات الصحة و التعليم و المياه و الطرق و غيرها من مقومات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاجها الدول اثناء مواجهتها للكوارث.
نحن لا ننكر بعض المجهودات و الهبات النذرة التي قامت و تقوم بتقديمها، لشعب جنوب السودان، بعض الدول العربية بصفتها الفردية و أبرزها مصر. و تتركز تلك المساعدات في بعثات تعليمية و بعض العون الإنساني في مجال الصحة علي نطاق محدود جداً.
هناك الكثير من القضايا التي يمكن ان نتحدث عنها فيما يختص بالدور الهدام للجامعة العربية في حروب جنوب السودان و ما ترتبت علي ذلك الدور من معاناة و تشريد و موت الكثير من البشر.
انا مع التعاون التنموي و بناء علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية و دوبلوماسيه قوية مع كافة الدول العربية، كل دولة علي حدها. نحن شعوب تحتاج لتنمية اقتصادية مستدامة و اكتساب المعرفة و التكنولوجيا الحديثة، و نساهم سوياً في تحقيق السلام و الاستقرار الاقليمين والدولين.
المصدر: سودانيز أون لاين