spot_img

ذات صلة

جمع

نغوغي واثيونغو ـ رحيل كاتب أفريقي

أمير تاج السر منذ أيام رحل نغوغي واثيونغو، الكاتب الكيني...

في الذكرى الـ ٥٦ لبيان ٩ يونيو ١٩٦٩م

تاج السر عثمان تمر الذكرى 56 لبيان 9 يونيو 1969م،...

10 وفيات و48 إصابة بالكوليرا في شرق دارفور و9 وفيات و153 حالة اشتباه بالكوليرا في سنار

الضعين ــ سنار: التحول أعلنت وزارة الصحة بولاية شرق دارفور...

لماذا يخشى النظام المصري، السودان ويسعى لتقويضه

د. احمد التيجاني سيد احمد

لطالما نظر النظام المصري – الذي تهيمن عليه نخبة عسكرية متحالفة تحالفًا وثيقًا مع رأسمالية المحسوبية – إلى السودان ليس w سيادة، بل كحديقة خلفية تابعة له. هذا التفكير الإمبريالي، المتجذّر في الإرث الاستعماري والقلق الجيوسياسي، لا يزال يحدد موقف القاهرة تجاه السودان. ومع اشتداد الحرب والانقسام في السودان، أصبحت أدوار مصر في تعميق الأزمة أكثر وضوحًا وإثارة للقلق.

منذ اندلاع الصراع السوداني في أبريل ٢٠٢٣م، تخلّت مصر عن أي ادعاء بالحياد. فبدلاً من لعب دور الوسيط الإقليمي، دعمت القاهرة القوات المسلحة السودانية (SAF) وبقايا النظام الإسلامي السابق. ورغم التصريحات العلنية التي تزعم دعم “الاستقرار”، تشير الأفعال الفعلية لمصر إلى استراتيجية خفية قائمة على المصالح الذاتية.

تشير تحقيقات من مصادر مثل Africa Intelligence (٢٠٢٣) وMiddle East Eye (٢٠٢٤) إلى تقديم مصر دعمًا عسكريًا ولوجستيًا للقوات المسلحة السودانية، بما في ذلك السماح بمرور شحنات أسلحة عبر مجالها الجوي، واستضافة مشاورات استراتيجية مع جنرالات سودانيين. وفي بعض الحالات، يُقال إن مصر نفذت ضربات جوية مباشرة على أهداف في الخرطوم وولاية النيل الأبيض ومناطق نزاع أخرى – وهو انتهاك صارخ لسيادة السودان وللقانون الدولي. وقد دمرت هذه الضربات بنى تحتية حيوية، بما في ذلك جسور ضرورية لحركة المدنيين والوصول الإنساني.

اقتصاديًا، استغلت القاهرة الفوضى. وفقًا للجنة الطوارئ الاقتصادية السودانية (٢٠٢٤م)، تم تهريب أكثر من ١٥ طنًا متريًا من الذهب إلى مصر خلال المراحل الأولى من الحرب – وهو ذهب حيوي لاقتصاد السودان المنهار. تحدث هذه العمليات غير القانونية عبر طرق تهريب حدودية محمية بشبكات رسمية وغير رسمية، وغالبًا ما تتورط فيها جهات حكومية.

وفي الوقت ذاته، تعزز وصول مصر إلى المنتجات الزراعية السودانية – بما في ذلك الفول السوداني والصمغ العربي والسمسم والماشية. يتم شراء هذه المنتجات بأسعار بخسة في ظل ظروف الحرب، ثم يُعاد تصديرها كمنتجات مصرية، مما يعزز ملف التجارة المصري على حساب السودان. هذا التربح من الحرب يكشف الطابع الاستغلالي للتدخل المصري.

وما هو أسوأ، أن النظام المالي السوداني تعرّض لتخريب مقصود عبر تداول عملة مزوّرة. أكدت تقارير انتشار أوراق نقدية مزيفة من فئة الألف جنيه سوداني مصدرها مصر، مما سرّع من وتيرة التضخم وأضعف الثقة في العملة الوطنية.

لكن خوف مصر من السودان لا يتعلق فقط بالذهب أو الاقتصاد. إنه خوف وجودي وسياسي. فالخطر الحقيقي الذي يهدد النظام المصري يكمن في إمكانية نشوء سودان ديمقراطي ناجح – قائم على الحكم المدني، والفيدرالية، والتعددية، والتنمية العادلة. مثل هذا السودان سيشكّل نقيضًا جذريًا للنموذج الاستبدادي المصري، وقد يلهم المصريين للمطالبة بالإصلاح.

ولمنع ذلك، تسعى مصر إلى إحباط التحول السوداني. تخشى من سياسة خارجية سودانية مستقلة، خاصة فيما يتعلق بحقوق مياه النيل. إن سياسة مصر في الهيمنة على ملف النيل – والتي تعود لعقود – تعتمد على حرمان الدول الواقعة على أعالي النيل، بما في ذلك السودان، من حصص عادلة في مياه النهر. وأي حكومة سودانية تطالب بإعادة التفاوض بشأن هذه الحصص تهدد سردية الأمن القومي المصري.

هيمنة القاهرة على السياسة السودانية ليست بالأمر الجديد. فمنذ استقلال السودان عام ١٩٥٦م، دعمت مصر كل الأنظمة الاستبدادية في الخرطوم – من الجنرال عبود وجعفر نميري إلى عمر البشير، والآن عبد الفتاح البرهان. لم تكن هذه التحالفات من باب التضامن، بل كانت استراتيجيات لمنع التحركات الديمقراطية في السودان التي قد تشجع على تغييرات مماثلة في مصر.

وقد كشفت الهشاشة في هذه العلاقة في أكتوبر ٢٠٢٤م، حين قامت قوات الدعم السريع بمنع تصدير الفول السوداني والصمغ العربي والسمسم والماشية والذهب من المناطق التي تسيطر عليها. ورغم أن تأثير الحظر جغرافيًا كان محدودًا، إلا أنه مثل كسرًا رمزيًا خطيرًا في افتراض مصر بحق الوصول إلى الموارد السودانية – وتحديًا للوضع الاستغلالي القائم.

وتتفاقم هشاشة السودان بسبب تواطؤ جزء من نخبته نفسها. فطوال عقود، مكّنت الفصائل العسكرية والإسلامية في الخرطوم الاستغلال المصري مقابل شرعية خارجية أو استثمارات أو ملاذ سياسي. وقد أدّى هذا “الاتفاق الفاوستي” إلى إثراء قلة قليلة، بينما رسّخ التبعية وروّج لسردية مشوهة لمصر كـ”الأخ الأكبر”.

يجب تفكيك هذه السردية. فالسودان ليس شريكًا تابعًا في حلم قومي عربي. إنه دولة ذات سيادة: إفريقية بالجغرافيا، نوبية بالتراث، حامية-سوداء بالدم، عربية باللسان، ومتعددة روحانيًا. لا يمكن حصر هويته في ظل القاهرة.

ويجب على الشعب السوداني مواجهة أوهام التبعية: أوهام التفوق العربي، والحماية المصرية، والاعتماد الحتمي. إن تجديد السودان يتطلب رؤية سياسية جريئة، تنبع من تعدديته، وكفاحه، ومستقبله الإفريقي الوحدوي.

ولكي ينهض السودان، عليه أن يؤكد سيادته – ليس كشعار، بل كسياسات ملموسة. عليه أن يرفض دور المصدّر الخام لاقتصادات الآخرين. عليه أن يناضل من أجل العدالة في توزيع مياه النيل. وعليه أن يبني تحالفات جديدة مع أفريقيا والجنوب العالمي، بدلاً من التمسك بهرميات عتيقة.

في نهاية المطاف، فإن العدو الأكبر للسودان ليس نظامًا مجاورًا، بل الخوف المتأصل، واللامبالاة، والشلل السياسي. لا يمكن استيراد المستقبل. بل يجب انتزاعه عبر وحدة وطنية، وإعادة بناء المؤسسات، وقطع دابر التبعية.

الوقت قصير، لكن القضية عادلة. يجب أن ينهض السودان – لا لإرضاء القاهرة أو أي عاصمة أجنبية، بل ليستعيد كرامته، ويؤمن لنفسه مكانًا في مجتمع الأمم الحرة والمتساوية.

:ahmedsidahmed.contacts@gmail.com٧

spot_imgspot_img