القاهرة: التحول
في ذكرى رحيل عميد الصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح أختتم بالقاهرة مؤتمر تحت عنوان : ” آثار الحرب ورؤى الكيانات النقابية والمهنية والمدنية لإعادة البناء والإعمار” ، الذي عقد يومي 18 و19 مايو الجاري.
وجمع المؤتمر ممثلون لنقابة الصحفيين السودانيين، اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، اللجنة التسييرية لاتحاد عام المهندسين، اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء، لجنة المعلمين، تجمع أساتذة الجامعات، الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الزعيم الازهري، لا لقهر النساء، التحالف النسوي “منسم”، الإتحاد النسائي، إتحاد تجمع الفنانين السودانيين بمصر، بالاضافة لخبراء في مجالات الثقافة وحماية التراث، العون الانساني، وعدد من منظمات المجتمع المدني.
وخرج المؤتمر بتوصيات عدة أبرزها إنشاء مفوضية عليا للتخطيط الإستراتيجي، إعادة إعمار تبدأ من الريف، تحقيق المساواة والعدالة، تمكين النساء والشباب، وتشكيل لجنة متخصصة من الكفاءات الوطنية.
وقد لامست رؤية المهندسين أبعاداً أعمق، داعيةً إلى دراسة الموارد وتعظيم العوائد، إعمار الوطن والمواطن معاً، ترسيخ تنمية صناعية مستدامة، وحماية الإرث الثقافي للبلاد، بناء قدرات الاعلاميين في الصحافة الإنسانية ودعم استغلالية الإعلام وحماية الصحفيين وتعزيز التنوع الثقافي وإصلاح الإطار التشريعي وإصدار تشريعات داعمة لحريات والتنوير اليومي لمواجهة التضليل وبناء صحافة متخصصة وإدماج النساء في العمل الصحفي . وتبني خطة طوارئ وطنية للتعليم العالي ، تمكين التعليم الفني والتقني كركيزة للتنمية ودمج الفنون في عملية التعافي النفسي والمجتمعي، الحفاظ على الهوية الثقافية وتطوير خطاب موحد عبر الفنون. وأوصى المؤتمر بفضح الإنتهاكات وإعمال المحاسبة وصياغة قوانين وتشريعات موائمة لحقوق الإنسان مع ضرورة البحث عن آلية للمحاسبة على إنتهاكات الحرب.
افتتاحية المؤتمر
ترأست د. سارة نقد الله، رئيسة لجنة التأبين دفة البداية، وأوضح وائل محجوب محمد صالح أن أسرة الراحل ولجنة التأبين اجمعتا على أن تكون هذه الذكرى للحوار بين أبناء السودان باختلافاتهم لتقصي آثار الحرب وتلمس معالم الطريق نحو وقف الحرب الكارثية.
وقال إنها سانحة للمهنيين ليقدموا رؤاهم حول إعادة بناء ما هدمته الحرب. وتحدث عن جهود الأستاذ الراحل محجوب محمد صالح لإنهاء الحرب، أهمها، إقناعه منظمات دولية بتحويل دعمها للجانب الإنساني للمتضررين، مبادرة أضاءت الدرب لعشرات المنظمات السودانية لتقديم الغوث. مؤكداً أن هذه الروح العظيمة، التي لم تغفل عن هموم السودان وأهله، هي الملهم لهذه الحوارات، وستظل نبراسًا يهتدون به.
كما زف بشرى تأسيس مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية في أوغندا كمركز قاري، ليواصل مسيرة الفقيد كمنبر للحوار الوطني.
المشروع القومي لإعمار السودان
في ورقة حملت عنوان “المشروع القومي لإعمار السودان”، قدّمها المهندس جعفر أحمد علي، وعلّق عليها المهندس منذر أبو المعالي، طرح إتحاد المهندسين رؤية شاملة لإعادة الإعمار، تبدأ من الإنسان ولا تتوقف عند البنيان، داعين إلى تخطيط استراتيجي طويل النفس، يراعي التوازن الجهوي، ويعلي من قيمة الريف. الورقة حذّرت من التسرع في البدء قبل التقييم الفني الشامل لحجم الضرر، ووضعت توصيات مفصلية من بينها: إنشاء مفوضية عليا للتخطيط الاستراتيجي، إعادة إعمار تبدأ من الريف، تحقيق المساواة والعدالة، تمكين النساء والشباب، وتشكيل لجنة متخصصة من الكفاءات الوطنية. وقد لامست رؤية المهندسين أبعاداً أعمق، داعيةً إلى دراسة الموارد وتعظيم العوائد، إعمار الوطن والمواطن معاً، ترسيخ تنمية صناعية مستدامة، وحماية الإرث الثقافي للبلاد، مؤكدةً على أهمية التقييم المهني الدقيق والعمل على تشكيل لجنة تخصصية عليا لقيادة هذا المسعى الوطني الجليل.
ولم تغفل الورقة استعراض الوضع المتردي للبنية التحتية، كنقص إمدادات الكهرباء والمياه، وتدهور قطاعي التعليم والصحة، مشيرة إلى غياب الإحصائيات الدقيقة بسبب استمرار الأضرار وموصية بضرورة رصدها المستمر. مداخلات المشاركين أثرت الورقة بإشارات عميقة: جدل حول أهلية الخرطوم كعاصمة مستقبلية، ضرورة تقييم شامل لمشكلة الصرف الصحي كأساس للعمران، اقتراح تغيير إسم المشروع إلى “بناء السودان” ليعكس معنى أوسع، وتأكيد على تضمين الكيانات المهنية مثل نقابة الصحفيين ضمن الأطر التخطيطية للمشروع.
وتناولت المداخلات أيضاً ضرورة التعلم من تجربة الحرب لضمان أنها الأخيرة، والتعامل مع قضايا الإصلاح المؤسسي ومعالجة المظالم التاريخية برفض مصطلحات الهامش والمركز لتحقيق مساواة حقيقية وتنمية متوازية، مع الإشارة إلى أهمية الاستفادة من التجارب الدولية في إنشاء المدن الجديدة واستصحاب البعد الثقافي في عملية البناء.
ولفت البعض إلى أن تصنيف الحرب كأهلية، سيؤثر على التمويل الخارجي، مما يستلزم الإعتماد على الموارد الذاتية.
وتم استعراض جهود حصر المهندسين في الخارج والتعاون مع نظرائهم المصريين في تدريب الفنيين، والتأكيد على أهمية التنمية المتوازية وخطط لمدن موازية، ومشروع قرى السلام كنموذج . وبرزت الحاجة إلى معالجة تسييس المؤسسات الأمنية كمطلب أساسي.
كارثة التعليم
ومن لجنة المعلمين السودانيين قدّم بدر الدين عبود ورقة بعنوان “أثر الحرب على التعليم” ، مع تعقيب ا. سامي الباقر، كشفت الأرقام حجم الكارثة: جيل بأكمله مهدد، مدارس تحوّلت إلى أطلال، ومعلمون إما في المنافي أو في الميادين.
لكن الورقة لم تكتف بالتأبين، بل طرحت رؤية عملية للإنقاذ. تحدث مقدم الورقة عن واقع صادم، حيث أصبح (11 مليون) طفل خارج المدرسة، منهم (3 ملايين) يواجهون خطر الأمية في المراحل الأولى، و(1.1 مليون) طالب ثانوية فقدوا فرصتهم في الإمتحانات، إضافة إلى (5 ملايين) طفل محاصرين في مناطق النزاع. و وصف وضع (350 ألف) معلم وإداري في القطاع بالكارثي، مع توقف المرتبات وإاتجاههم لمهن بديلة.
وأكد أن عملية الإعمار ستكون مكلفة جداً، وأن تكلفة بناء فصل واحد قد تصل إلى (30 ألف) دولار. ودعت الورقة إلى تفعيل آليات التعليم في حالات الطوارئ، وتوفير منصات تعليمية رقمية وإذاعية لتجاوز تعطل الدراسة، مع صياغة مناهج دراسية مرنة وواقعية تلبي احتياجات الطلاب وتراعي واقعهم النفسي الذي فرضته الحرب. وأكدت الورقة على ضرورة دعم وتمكين الكادر التعليمي، إنشاء صندوق دعم عاجل لدفع رواتبهم، وتقديم برامج تدريب وتأهيل تمكنهم من التعامل مع آثار الحرب على الطلاب.
كما شددت على أهمية توزيع الحقائب والمستلزمات التعليمية في مراكز اللجوء والنزوح، وضمان عدم استخدام المدارس كمواقع عسكرية أو مراكز إيواء ومحاسبة طرفي النزاع على الإنتهاكات الجسيمة. ودعت الورقة إلى تحييد المؤسسات التعليمية وتضمين حمايتها في أي إتفاقيات قادمة، وتكوين جسم لمتابعة الدعم المقدم من المنظمات الدولية، ووضع التعليم ضمن أولويات الإغاثة وبناء السلام بتخصيص تمويل كافٍ له. تضمنت التوصيات على إعادة النظر في طرق التقويم والامتحانات، ودمج الدعم النفسي والاجتماعي في النظام التعليمي وضرورة استخدام البرامج الخاصة بخدمات الدعم النفسي المتخصصة.
أما المداخلات، فقد شددت على أن التعليم كان منهارًا حتى قبل الحرب، وأنه لا إعمار حقيقي بلا إصلاح جذري لمنظومة التعليم في السودان، يشمل تغيير المناهج وتحسين أوضاع المعلمين. ولفتت إلى أن الحرب كشفت بوضوح التوزيع غير العادل للتعليم، ودعت للتركيز على التعليم المهني والتقني وبناء القيم والأخلاق عبر التعليم. وتم التأكيد على ضرورة مواكبة البيئة التعليمية للتطور العالمي وحل المشاكل الآنية وتوفير منح للطلاب المتضررين، مع أهمية عدم العودة للشكل التعليمي القديم.
وأشارت بعض المداخلات إلى غياب آليات تعليم الطوارئ بشكل منهجي والحاجة الملحة لتطويرها بناءً على التجارب الدولية الناجحة، مثل التجربتين اليابانية والهندية في التعامل مع الكوارث والأزمات.
الإعلام إنتهاكات ودمار المؤسسات
قدمت الورقة الأستاذة مواهب إبراهيم، وعقب عليها الأستاذ إسماعيل محمد علي. سلطت الورقة الضوء على الدمار الذي لحق بقطاع الإعلام والصحفيين، جراء الحرب، والذي طال مقار المؤسسات وأوقف الصحافة الورقية، مسبباً فقدان الصحفيين لمصادر دخلهم ومجبراً أكثر من 500 صحفي على اللجوء للخارج، إضافة إلى إنتهاكات جسيمة تعرضوا لها.
وكشفت الورقة عن غياب البيئة القانونية وهشاشتها، وغياب الشفافية، وإغلاق العديد من دور النشر والمطابع، وانتشار الشائعات وخطاب الكراهية على نطاق واسع، وضعف قدرة الصحافة المهنية على التغطية الكاملة، وندرة فرص تأهيل الصحفيين. واستعرضت رؤية نقابة الصحفيين لإعادة بناء صرح إعلامي مهني وحر بعد توقف البنادق، مؤكدة على ضرورة دعم الصحفيين وسن تشريعات تضمن الحريات الإعلامية وتعزز الشراكات الفاعلة.
وتضمنت توصيات الورقة ضرورة بناء القدرات في الصحافة الإنسانية ومواكبة التطور الرقمي والمهني لتمكين الصحفيين، والتأكيد على استقلالية الإعلام كركيزة أساسية لأي بناء ديمقراطي. ودعت إلى توفير الدعم النفسي والحماية للصحفيين الذين يعملون في ظروف بالغة الخطورة، وتقديم تدريب متخصص يصقل مهاراتهم، وتوسيع شبكة العلاقات مع المنظمات الدولية لحشد الدعم والمناصرة لقضايا الإعلام وحرية الصحافة. أما رؤية النقابة، فقد تمحورت حول دور الإعلام في بناء السلام والمصالحة المجتمعية، تعزيز الإعلام المجتمعي الذي يعكس تعدد وتنوع نسيج المجتمع السوداني، ترسيخ قيم التنوع الثقافي عبر المنصات الإعلامية، حشد الموارد اللازمة لإعادة بناء المؤسسات الإعلامية، إصلاح الإطار القانوني والتشريعي لضمان الحريات، وضمان استقلالية المؤسسات الإعلامية عن أي تأثيرات سياسية أو اقتصادية.
بينما شدد المعقب إسماعيل محمد على، على ضرورة إستقراء واقع الصحافة قبل الحرب ودورها في تشكيل الوعي العام، مشيرًا إلى مساهمات الصحفيين الرواد في مسيرة الإستقلال. واستعرض تطور الصحافة في المرحلة الديمقراطية الثالثة ودخول رؤوس الأموال والتقنيات الحديثة، منبهًا إلى معاناة الصحافة من غياب التشريعات المواكبة قبل الحرب. وأشار إلى دور طرفي النزاع في تأجيج الشائعات وضعف الصحفيين أنفسهم. واعتبر أن غياب البنية التحتية هو الضربة القاصمة التي تلقتها الصحافة، وأن الحرب دقت المسمار الأخير في نعشها، مطالبًا بضرورة سن تشريعات تفتح آفاقًا جديدة للحريات الإعلامية.
وأكدت مداخلات المشاركين في النقاش على أهمية توظيف الإعلام في تحقيق السلام العادل الذي يعالج جذور الأزمة. وتحدثوا عن الحق في المعلومة، انقسام القوى الديمقراطية، هموم الصحفيات وتأثير العنف القائم على النوع الاجتماعي عليهن، وضرورة إدماجهن في المشهد الإعلامي. ودعا البعض إلى إعلام يمثل التعدد ويتحدث عن “الآخر”، مؤكدين أن تدمير الإعلام والقانون هو مسؤولية الدولة.
وطالب مشاركون بتوطين ثقافة السلام عبر الصحافة لمنع تحول الحرب إلى نزاع مجتمعي شامل، وتقديم الدعم للنساء المتضررات. ولفتت مداخلة إلى إغفال الإعلام العلمي لصالح الإعلام السياسي، والحاجة لتنسيق شامل بين الشركاء.
وتناولت المداخلات مسألة العدالة الانتقالية وضرورة التعامل معها بحذر، وأن العدالة لا تتجزأ وتسير بشكل متوازٍ. وأكدت على ضرورة التصدي للتضليل في الفضاء المفتوح والتنوير المستمر، ووجود انقسامات في كل الكيانات الوطنية، وأهمية الصحافة المتخصصة.
النظام الصحي دمار الحرب ورؤى إعادة البناء
قدمت الورقة د. هبة عمر النظام الصحي السوداني ” دمار الحرب وروي اعادة البناء والاعمار”. وناقشت الورقة التأثير الكارثي للحرب على النظام الصحي المتهالك أصلا. وقدمت مشروع لمعالجة آثار الحرب، شمل تحليل الواقع وتقوية النظام المحلى والاستفادة من المواقع النقابية الدولية لتأمين المساعدات.
وأكدت على دور نقابة الأطباء في الدفاع عن حقوق الأطباء ورؤيتها لتحسين القطاع . واوصت الورقة بالوحدة النقابية لأنها تشكل قومية السودان، تفادي الخلافات لانقاذ الوطن ، ضرورة أن تشمل المجهودات أثناء الحرب جمعيات الأطباء في امريكا وبريطانيا والخليج مثال لذلك مخرجات جمعية الأطباء السودانيين بامريكا (سابا) والتي شملت الدعم المالي وتأهيل المستشفيات، التدريب عبر (معهد سابا) للسياسات الصحية.
الثقافة والتراث طمس متعمد
ومن بيت التراث السوداني استعرض د. إسماعيل علي الفحيل ورقته حول ” أثر الحرب على قطاع الثقافة والتراث “، مع تعقيب د. محمد المهدي بشرى. كاشفًا ما تعرضت له الذاكرة الجمعية من تدمير ونهب وطمس متعمد، طال المبدعين والمؤسسات والمقتنيات الثمينة. اقترحت الورقة خطة عاجلة للبدء في إعادة بناء هذا القطاع الحيوي، عبر تقييم شامل للأضرار، تجميع وحصر للتراث المبعثر أو المنهوب، رقمنة الأرشيفات لحمايتها من الضياع، تأمين المواقع التاريخية والأثرية، وحمل أطراف النزاع على الالتزام بالقواعد الدولية لحماية الممتلكات الثقافية في زمن الحرب. تضمنت التوصيات تحديد الأولويات والمصادر اللازمة لعملية الإعمار الثقافي، إرساء ثقافة حرة وديمقراطية تحترم التنوع الثقافي واللغوي، الحفاظ على الثقافة والفنون والتراث وتعزيز الإنتماء الوطني، تعزيز الوحدة وقيم السلام والتسامح، توظيف الثقافة والتراث كمورد اقتصادي لخلق فرص عمل، دعم الصناعات الإبداعية، تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في المجال الثقافي، وخلق آلية وطنية للتنسيق بين الجهات المعنية بالثقافة والتراث. حددت الورقة أولويات عاجلة كدراسة تقييم شامل لحالة الثقافة وتخصيص ميزانية كافية لذلك تقدر بـ (700 ألف دولار) لتغطية عشرة قطاعات رئيسية، مع مراعاة حصر الخسائر في مختلف الأقاليم، وتقييم عمل وزارة الثقافة والمؤسسات ذات الصلة.
وأكدت على ضرورة تخصيص ميزانية كافية لإعادة تأهيل المؤسسات الثقافية والعاملين، والعمل فورًا على تجميع وحصر ورقمنة التراث وحفظه في أماكن آمنة، وتأمين القطع الأثرية، ووضع إطار قانوني لحماية التراث، وحمل الأطراف على الإمتثال للقواعد الدولية، والإهتمام الخاص بالمباني التاريخية للحفاظ على هوية المدن. عقب د. محمد المهدي بشرى، مؤكدًا أن إيقاف الحرب وبناء السلام هما الشرط الأساسي لأي حديث عن الثقافة، وضرورة أن يمارس الشعب ضغطه لتحقيق مطالبه، ومقاومة خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي. وتضمنت المداخلات مناقشة تسمية الورقة لتعكس معنى أشمل للبناء ليشمل المواطن، التفكير في آليات استعادة المنهوبات والمسروقات التي تعرضت لها الآثار والتراث، توثيق التراث المادي المتضرر، اعتبار تدمير التراث بمثابة إبادة للإنسان، والمطالبة بإنشاء قوائم حصر دقيقة للتراث المادي وغير المادي.
النساء معاناة مركبة
وجاءت ورقة ا. رباح الصادق بعنوان “النساء السودانيات: أوضاع الحرب والدور المأمول في المستقبل”، مع تعقيبات سامية النقر وحنان نوري. وصفت الورقة المعاناة المركبة للنساء خلال الحرب: عنف، تهجير، تهميش من مفاوضات السلام، رغم أنهن خط الدفاع الأخير عن الحياة. واوصت الورقة بضرورة تمكين النساء في عمليات السلام وإشراكهن بصورة فعالة انطلاقاً من دورهن القيادي، الاعتراف الرسمي والإعلامي بدورهن الحاسم في الإغاثة وبناء السلام ومكافحة خطاب الكراهية، دعم التكوينات النسوية العاملة في مجالات المناصرة والإغاثة والدعم النفسي والقانوني وتوسيع دائرة تأثيرها وتمثيلها. دعت الورقة أيضاً إلى إقرار سياسات صارمة لحماية النساء من العنف الجنسي أثناء النزاعات وضمان العدالة للضحايا عبر آليات مساءلة وطنية ودولية، وتضمين الأجندة النسوية بوضوح في المرحلة الانتقالية القادمة، بما يشمل مشاركة النساء في الحكم والتشريعات المنصفة والسياسات الداعمة.
وأكدت الورقة على ضرورة توثيق تجارب النساء خلال الحرب بكافة آلامها وأشكال مقاومتها لحفظ الذاكرة الوطنية وتعزيز العدالة الانتقالية، وأن تكون إعادة الإعمار شاملة وتراعي احتياجات النساء المتضررات من سكن وتعليم وخدمات صحية، خاصة للفئات المتأثرة بالنزوح والعنف. وأشارت المعقبات إلى أن التوصيات اتسمت بالواقعية واستندت إلى التجارب الحية للنساء، رابطةً ببراعة بين المعاناة والصمود والتطلعات السياسية والاجتماعية. ومع ذلك، أشاروا إلى إمكانية تعزيز التوصيات بآليات تنفيذ أكثر تحديدًا، كجهات مسؤولة عن تفعيل مشاركة النساء وتحديد مسؤولية العنف ضدهن من قبل طرفي الحرب، وتحديد نسب التمثيل المطلوبة في مفاوضات السلام والسلطة الانتقالية، واقتراح إنشاء صندوق دعم نسوي مخصص للمرأة المتضررة. وأكد المعقبون على ضرورة توسيع الربط بين الأجندة النسوية والعدالة الانتقالية لتشمل مقاربة شاملة للعدالة تضمن الحق في الحقيقة والمساءلة والإنصاف في كافة الجرائم المرتكبة، لا سيما العنف الجنسي والتهجير القسري.
واعتبروا الورقة وثيقة مهمة للبناء عليها في صياغة سياسات ما بعد الحرب إذا أُحسن تفعيلها وربطها بقوى سياسية ومجتمعية مؤمنة بتمكين النساء. وتناولت المداخلات غلبة الطابع الوصفي على التحليل، الحاجة للبيانات الإحصائية الدقيقة، غياب مقاربة شاملة تراعي التنوع داخل شريحة النساء (ذوات الإعاقة، الريفيات، الفتيات، ذوات الخلفيات المتعددة)، ضعف المقارنة مع تجارب دول أخرى مرت بحروب مشابهة (مثل رواندا أو ليبيريا)، وتغييب النقد لأداء بعض الكيانات النسوية القائمة (محدودية الانتشار، غلبة النخبوية، ضعف التنسيق)، إلى جانب غموض آليات التنفيذ (كاقتراح الضغط عبر لجان المقاومة النسوية وحملات المناصرة). وأجمع المتحدثون على تقدير الجهد في توثيق تجربة النساء ودورهن، داعين لتعميق التحليل وتوسيع الرؤية لتشمل الفئات المهمشة وربط التوصيات بواقع السياسات الجاري.
التعليم العالي تخريب ممنهج
وفي ورقة آفاق التحول السلمي في السودان ودور مؤسسات التعليم العالي في مواجهة آثار الحرب”، تحدث د. ضياء الدين عن الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الزعيم الازهري عن حجم الدمار الذي طال التعليم العالي وقال تعرضت المؤسسات التعليمية لدمار واسع النطاق ونهب ممنهج طال أكثر من 104 جامعة حكومية تعرضت للتخريب والتدمير. وشمل التأثير السلبي 10 جامعات خاصة و20 كلية. وتضررت البيئة التعليمية نتيجة الأعمال التخريبية وغياب الاستقرار، تأثر (459 ألف) طالب موزعين على 120 جامعة، نزوح وهجرة الآلاف من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، إضافة إلى فقدان بعضهم. وكشفت الورقة عن خسائر مادية مباشرة في البنى التحتية والمعدات تُقدّر بحوالي 16 مليار دولار، مع استمرار تدهورها. اضافة لخسائر اجتماعية تمثلت في فقد الأرواح، والإصابات الجسدية والنفسية، مع توقف التعاون الدولي في مجال البحوث العلمية وإختفاء التخصصات النادرة، وتأثر سمعة ومكانة التعليم العالي السوداني.
حرب ابريل والطريق إلى العدالة
وعن اللجنة التمهيدية لنقابة المحاميين السودانيين وبورقة ” حرب ابريل والطريق للعدالة “، أكد ا.علي قيلوب الدور المهني والمفصلي في التضامن النقابي لتخفيف المعاناة . وأشار لدور عميد الصحافة محجوب محمد صالح في الشان العام.
وتناولت الورقة الآثار الكارثية لحرب ابريل على نقابة المحامين والمجتمع السوداني بما في ذلك الإنتهاكات وجرائم الحرب المرتكبة المعاقب عليها محلياً ودولياً، مسلطاً الضوء على الدور المحوري للمحاميين في الشأن العام والدفاع عن الحقوق في ظل الحرب وسبل تحقيق المساءلة الجنائية عن الجرائم . واستعرضت الورقة الآليات القانونية المتاحة من المحاكم الدولية والوطنية والمختلطة وآليات العدالة الإنتقالية وتقييم التحديات والخيارات المفضلة لضمان تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الفظائع في مرحلة ما بعد الحرب. فنون الأداء من زمن الحرب إلى زمن السلام ” فنون الأداء من زمن الحرب إلى زمن السلام “، مقدم الورقة ا. عادل حربي وعقب عليها د. سعد يوسف.
وتناولت الآثار العميقة للحرب على فنون الأداء، وأبرزت دور الفن المحوري في مرحلة ما بعد الحرب كوسيلة للتعبير عن الألم الجماعي وإعادة البناء النفسي والاجتماعي وتشكيل الهوية، واقترح رؤية لتوظيف الفن في جهود الإعمار والشفاء الجماعي والشراكات من أجل الاستقرار .
المصدر: صحيفة مداميك