التحول: متابعات
في خضم اشتداد المعارك في دارفور وتدهور الوضع الإنساني في مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور ومحيطها، شارك رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في منتدى أنطاليا الدبلوماسي 2025، في نسخته الرابعة والمنعقد بمدينة أنطاليا التركية تحت شعار “استعادة الدبلوماسية في عالم منقسم”، بمشاركة عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية وممثلي المنظمات الدولية.
وخلال المنتدى، عقد البرهان سلسلة لقاءات ثنائية، في تحرّك يهدف إلى تأكيد الشرعية السياسية، وكسب دعم إقليمي ودولي لمواقف الحكومة خلال الأزمة المستمرة منذ عام. وكان أبرزها عقد مباحثات ثنائية مشتركة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث أكد الأخير أهمية الحفاظ على وحدة السودان وسيادته، وتعهد بتقديم الدعم لإعادة الإعمار وتطبيع الأوضاع بعد انتهاء النزاع. وشدد أردوغان على وقوف بلاده إلى جانب الشعب السوداني، مرحبًا بزيارة البرهان، ومجددًا التزام تركيا بدعم جهود السلام والاستقرار في السودان.
كما التقى البرهان، رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف، والرئيس جوليوس مادا بيو رئيس سيراليون، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة. كل على حداة وشملت هذه اللقاءات بحث تعزيز العلاقات الثنائية، وتطورات المشهد السوداني، والانتصارات العسكرية التي أعلن عنها الجيش، إلى جانب التنسيق الإقليمي في قضايا السلام والأمن.
دبلوماسية كسب الحلفاء
وفي تصريحاته، أكد وزير الخارجية السوداني علي يوسف عمق العلاقات مع تركيا، مشيرًا إلى أن أنقرة ستكون من أبرز الشركاء في مرحلة إعادة الإعمار، ضمن تصور لتعاون ثلاثي أو متعدد الأطراف يشمل دولًا كالسعودية وقطر.
وفي السياق ذاته، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دعم بلاده لوحدة السودان وسيادته، وتعهد بتقديم دعم فني ولوجستي في مرحلة ما بعد الحرب. إلا أن هذه التعهدات تأتي في وقت لم تتبلور فيه أي خارطة طريق واقعية لإيقاف النزاع أو معالجة الكارثة الإنسانية التي تمزق البلاد.
غلبة الطابع العسكري على المحادثات
وفي سعيها إلى كسر طوق العزلة الدولية، وتحقيق اختراق على صعيد الدعم السياسي والاقتصادي، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية، تركّزت التصريحات الرسمية الصادرة عن الوفد السوداني على التأكيد بأن الجيش أحرز تقدمًا ميدانيًا مهمًا، في مقابل تحميل قوات الدعم السريع مسؤولية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من “قتل واغتصاب وتهجير” ضد المدنيين، بحسب وصف وزير الخارجية.
وبحسب تصريحات يوسف، لا توجد مفاوضات جارية، ولا يمكن البدء بأي عملية تفاوض قبل انسحاب قوات الدعم السريع من كافة المناطق “المحتلة”، في موقف يتسم بالتصعيد السياسي والعسكري، ويعكس غياب الثقة وانعدام الرغبة الحقيقية في الجلوس إلى طاولة الحوار.
هذا الخطاب يتجاهل الواقع على الأرض، حيث تواصل قوات الدعم السريع هجماتها بالطائرات المسيّرة، مستهدفة منشآت المياه والكهرباء والبنى التحتية، بينما تعاني المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الجيش من شلل كامل في الخدمات الأساسية وانهيار النظام الصحي.
تجاهل الكارثة الإنسانية:
وبرأي مراقبون فبالرغم من الإشارات إلى “مرحلة ما بعد الحرب” و”إعادة الإعمار”، خلت خطابات الوفد السوداني من أي طرح جاد حول الكارثة الإنسانية المتفاقمة في دارفور خاصة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وشرق السودان، حيث تزداد التقارير عن المجاعة والانهيار الكامل للخدمات الأساسية.
مع غياب الإشارة إلى ممرات آمنة، أو تسهيلات لعمل المنظمات الإنسانية، أو التزامات حقوقية واضحة، يعكس تناقضًا صارخًا في خطاب الحكومة، التي تسعى لكسب الدعم لإعادة الإعمار دون الاعتراف بحجم الدمار، أو طرح خطوات عملية لإنهاء الحرب.
ويرى مراقبون أن مشاركة البرهان في منتدى أنطاليا لم تحمل جديدًا في ما يتعلق بالحلول السياسية، لكنها شكّلت محاولة واضحة لتثبيت حضوره على الساحة الدولية، والتأكيد على تحالفات سياسية واقتصادية، خاصة مع تركيا وأذربيجان وسيراليون.
أهمية المحاور الدبلوماسية: أنقرة، باكو، وفريتاون في ميزان العلاقات الخارجية السودانية:
تبرز تركيا كأحد الشركاء الإقليميين ذوي الثقل السياسي والاقتصادي في علاقة السودان الخارجية، نظرًا لمصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر، وتاريخها الطويل من التعاون الأمني والعسكري مع الخرطوم، فضلًا عن دورها المتنامي في ملفات إعادة الإعمار، والتعليم، والتنمية، وهو ما يجعل تعزيز العلاقات معها هدفًا ذا أولوية بالنسبة لمجلس السيادة في ظل السعي لإعادة تموضع السودان إقليميًا.
أما أذربيجان، فهي تمثل بوابة السودان نحو التكتلات الآسيوية والإسلامية، وعلى رأسها منظمة المؤتمر الإسلامي، كما تحظى بعلاقات متينة مع تركيا، ما يمنح تقارب الخرطوم معها بُعدًا جيوسياسيًا مضاعفًا، خاصة في ظل مساعي أذربيجان لبناء نفوذها الدبلوماسي جنوب الصحراء وتوسيع تحالفاتها الدولية.
في حين تُعد سيراليون صوتًا أفريقيًا مهمًا داخل المحافل الدولية مثل الاتحاد الإفريقي ومجلس حقوق الإنسان، كما أنها من الدول التي مرت بتجربة حرب أهلية دامية، ما يمنحها تفهّمًا خاصًا لتعقيدات الوضع في السودان. ويمكن للخرطوم الاستفادة من دعمها لبناء مسار تضامن أفريقي يخفف الضغوط الغربية ويدعم مواقف السودان في المحافل الدولية.
تأتي هذه اللقاءات في توقيت دقيق للغاية، حيث يسعى مجلس السيادة بقيادة البرهان إلى تعزيز شرعيته الدبلوماسية، وتوسيع دائرة الحلفاء في مواجهة الدعم المتزايد الذي تحظى به قوات الدعم السريع من أطراف إقليمية، إلى جانب محاولة كسر العزلة التي فرضتها الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان على صورة السودان في الخارج.
