دارفور: التحول
كشفت شهادات مروّعة أدلى بها ناجون من هجوم قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور عن عمليات إعدام ميدانية، حرق للمنازل، واعتداءات جنسية وعمليات اختطاف طالت نساءً وفتيات أثناء فرارهن من مدينة الفاشر إلى منطقة طويلة، في واحدة من أسوأ موجات العنف التي يشهدها الإقليم منذ اندلاع الحرب.
وتقول نجلاء أحمد، وهي أم لعدد من الأطفال، إنها فقدت الاتصال بمعظم أفراد أسرتها أثناء الفرار من المخيم: “لسه لهسه ما أجو.. لا أمي، لا أبوي، لا أخوي، لا أخواني، ولا جدي.. جئت إلا مع ناس أغراب”، مضيفة أن منازل المخيم نُهبت وأُحرقت تحت وابل من القذائف وتحليق الطائرات المسيّرة في السماء.
وكانت قوات الدعم السريع قد استولت، قبل أسبوع، على مخيم زمزم، أحد أكبر مواقع النزوح في دارفور، بعد ثلاثة أيام من المعارك. وأفادت الأمم المتحدة بأن الهجوم أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص ونزوح نحو 400 ألف.
ونقلت وكالة “رويترز” عن ستة ناجين أنهم شهدوا عمليات إعدام جماعي وحرق متعمد للمنازل، في حين نفت قوات الدعم السريع الاتهامات، مدعيةً أن المخيم كان يُستخدم كقاعدة لقوات الجيش السوداني.
في المقابل، أدانت منظمات إنسانية إقليمية ودولية، الهجوم واعتبرته استهدافًا مباشرًا للمدنيين الذين يواجهون أصلاً خطر المجاعة وانهيار الخدمات.
الفرار إلى طويلة وسط الاعتداءات
تمكنت نجلاء أحمد من الوصول إلى بلدة طويلة التي تقع على بُعد 60 كيلومترًا من زمزم وتخضع لسيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وتقول إنها اضطرت للفرار من قوات الدعم السريع ثلاث مرات خلال الأشهر الماضية.
وأضافت أنها شاهدت سبعة أشخاص يموتون جوعًا وعطشًا خلال رحلة الفرار الأخيرة، بالإضافة إلى عدد من الجرحى تُركوا ينزفون حتى الموت.
وفي تطور خطير، قالت ناجيات إن مسلحين اعترضوا طريق النازحين بين الفاشر وطويلة، واختطفوا 18 امرأة على الأقل، من بينهن فتيات قاصرات. وأضافت الشهادات أن ثماني نساء أُفرج عنهن بعد تعرضهن للاغتصاب، بينما لا يزال مصير الأخريات مجهولاً.
وتحدثت حليمة آدم، وهي ناجية من قرية مجدوب، عن اعتداءات جنسية طالت عشرات النساء والفتيات تم اقتياد بعضهن إلى الفاشر، في حين فُقد أثر أخريات في مناطق وعرة وغابات تقع غرب المدينة.
ورغم صمت الكثير من الضحايا وأسرهن بسبب الخوف من وصمة العار، أكدت مصادر محلية أن عدد حالات الاغتصاب يتجاوز الرقم المُعلن.
عمليات نهب ومنع من الفرار
قال أحمد إبراهيم، قيادي أهلي من منطقة “ترك” غربي زمزم، إن الطريق الرابط بين الفاشر وطويلة شهد اعتداءات ونهبًا متكررًا من قبل المسلحين الذين يستهدفون النساء والنازحين الفارين من المعارك، حيث يُجردونهم من الأموال والهواتف والمقتنيات.
وأفادت مصادر عسكرية لـ”دارفور24″ بأن الجيش أعاد بعض الفارين من محيط سجن شالا بعد تلقيه معلومات عن تعرض نساء لانتهاكات جنسية غرب الفاشر.
كما نفذ الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه حملات اعتقال داخل مخيم أبوشوك، طالت أشخاصًا شجعوا السكان على مغادرة المخيم، ومنع العديد من المواطنين من مغادرة الفاشر تحسبًا لتعرضهم لهجمات في الطريق.
حماية مشروطة أم تهجير قسري؟
في المقابل، يروج تحالف يضم قوات الدعم السريع وتجمع قوى تحرير السودان والمجلس الانتقالي لتحرير السودان وقوى أهلية مسلحة، لمغادرة السكان للفاشر، مدعيًا أنهم يؤمّنون الحماية للنازحين على امتداد الطرق المؤدية إلى مناطق سيطرتهم.
لكن شهادات الناجين تنسف هذا الادعاء، وتضع علامات استفهام كبرى حول دور هذا التحالف في تسهيل عمليات الاختطاف والاعتداءات.
تأتي هذه الفظائع في ظل صمت دولي مطبق، وانشغال إقليمي بالملفات السياسية، فيما تتدهور أوضاع المدنيين في مخيمات النزوح والمناطق الحدودية. ويطالب الناجون والناشطات الحقوقيات بفتح تحقيق دولي عاجل في الجرائم المرتكبة، وضمان الحماية الفعلية للنازحين، لا سيما النساء والأطفال، في ظل تصاعد العنف وخطر المجاعة والأوبئة.