spot_img

ذات صلة

جمع

السودان: مخاوف من توقف خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في 15 ولاية

بورتسودان: التحول أبدت منظمة الصحة العالمية ومجموعة الصحة، الأحد،...

شرق السودان: تحالف ثلاث حركات مسلحة يعلن تشكيل قوة مشتركة من داخل إريتريا

قرقر: التحول أعلنت ثلاث حركات مسلحة تنشط في شرق السودان،...

نجاة 30 لاجئًا سودانيًا بينهم أطفال بعد تعطل مركبتهم خمسة أيام في صحراء ليبيا

الكفرة (ليبيا): التحول: وكالات نجا نحو 30 لاجئًا سودانيًا، بينهم...

نحو فهم جديد للسودان:السلطوية ليست حكراً على المركز، والتهميش ليس حكرًا على الهامش، والتأسيس هو طريق الخلاص

د. احمد التيجاني سيد احمد

مقدمة

تواجه الدولة السودانية تحديات وجودية لا تتعلق فقط بالحرب والانقسام، بل بالفهم المغلوط لبنية السلطة والتهميش
.
لقد طغت مفاهيم جغرافية واختزالية على تحليل التفاوتات التاريخية، فصارت النخبة تُختزل في المركز، والمهمشون في الأطراف.

هذه الورقة تسعى إلى تفكيك تلك التصنيفات الضيقة، وتبيان أن السلطة والتهميش كلاهما كانا عابرين للجغرافيا والانتماءات، وأن الخلاص لا يكون إلا بمشروع تأسيس وطني جديد.

١. التهميش ليس حكرًا على الهامش: بنية شاملة للظلم
بدأ التهميش في السودان الحديث مبكرًا مع تهميش النوبيين في الشمال بإغراق أراضيهم وتهجيرهم قسريًا، وتواصل ليشمل مزارعي الجزيرة، والرعاة في كردفان، والصيادين في الشرق، والمزارعين في القضارف..كما شمل أبناء الحضر العاطلين عن العمل ، وضحايا سياسات التحرير الاقتصادي، ليس هناك إقليم نجا من هذا التهميش، وإن تفاوتت أشكاله. لكن اختزال التهميش المتعمد في الجنوب أو الغرب تبرئة ضمنية للنظام القائم.

٢. الطبقة السلطوية: تحالفات فوق جغرافيا الوطن

تكوّنت “”الطبقة السلطوية”” في السودان من تحالفات تتجاوز الإقليم والقبيلة. فهي تشمل نخبًا من الوسط والشمال والجنوب والغرب والشرق.
هذه النخب، التي أمسكت بمفاصل السلطة والثروة، استخدمت الرمزية الثقافية، والقرابة السياسية، والتحالفات العسكرية لضمان هيمنتها.

و لعلي اكرر بالبنط العريض بان “”السلطوية”” ليست صفة مرتبطة بالجغرافيا، بل بمنظومة فكرية وتصالحية تعيد إنتاج الامتيازات وتمنع بناء الدولة العادلة.
٣. السلطوية داخل المؤسسة العسكرية: احتكار القيادة وتهميش الجنود

من أبرز تجليات “”السلطوية”” في السودان هيمنة فئات بعينها على قيادة المؤسسة العسكرية، حيث تم احتكار المواقع العليا لعقود طويلة
من قبل شبكات جهوية ومصلحية، بينما تم relegation الجنود وصف الضباط من أبناء المناطق الطرفية إلى الأدوار القتالية والمهام الخطرة. هذا الاستخدام الاستغلالي للمهمشين في بنية الجيش يعكس طبيعة النظام السلطوي الذي لا يرى في الإنسان إلا أداة،ويعيد إنتاج التراتبية الطبقية حتى داخل مؤسسة يُفترض أن تكون قومية.
٤. لا خلاص في الانفصال: بل في تأسيس الدولة العادلة

كل دعوات الانفصال التي ظهرت اثناء هذه الحرب ما هي إلا انعكاس لأزمة وطنية أعمق، وأداة تُستخدم لتفكيك الدولة لصالح مشاريع خارجية.
انفصال الجنوب لم يقدّم نموذجًا يُحتذى، بل كشف أن الحل لا يكون بتقسيم الأرض، بل بتقويم الدولة. و بلا شك إن أي دعوة لفصل دارفور أو الشرق أو جبال النوبة تعني المزيد من الحروب، لا نهايتها. الحل هو في بناء مشروع تأسيسي وطني جامع، يعيد الاعتراف بكل المكونات، ويوزع السلطة والثروة بعدالة.
٥. السودان الجديد: مشروع التأسيس الجامع

السودان الجديد ليس شعارًا طوباويًا، بل هو تصور عملي لبناء دولة جديدة على أنقاض الخراب السلطوي. تصور يعتمد على إعادة كتابة العقد الاجتماعي، وفتح المجال لكل المهمشين سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا للمشاركة في رسم مستقبل الوطن.

إن مشروع تأسيس السودان الجديد يتجاوز مفاهيم الهوية القاتلة والانتماءات الإقصائية،
ليصوغ دولة للمواطنة، تحترم التعدد وتبني على الكفاءة، لا على القرابة أو الولاء السياسي.

لقد أدت أشكال التهميش في جنوب السودان إلى كارثة الانفصال، وهي نتيجة مباشرة للفشل في إدارة التنوع بشكل عادل.ًكما أن السياسات الحزبية المتعالية غذّت التفرقة وأفشلت فرص بناء سودان موحد على أسس المواطنة المتساوية.

٦. التهميش في جنوب السودان: من الإقصاء إلى الانفصال

شهد جنوب السودان منذ الاستقلال تهميشاً ممنهجاً على المستويين السياسي والخدمي. فقد تم تهميش لغاته وثقافته في نظام تعليمي
متمركز حول لغة وثقافة الشمال، كما غابت الاستثمارات التنموية والبنية التحتية في الجنوب لعقود طويلة. رغم توقيع اتفاقيات عديدة (أديس أبابا 1972، نيفاشا 2005)، فإن غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة جذور التهميش جعل من خيار الانفصال مساراً مقبولاً لدى شرائح واسعة من الجنوبيين، رغم أن هذا الانفصال لم يكن حلاً بل بداية لدوامة صراعات جديدة نراها في. نذر حروب اهلية و نزاعات تتوالي

٧. السياسات الحزبية وتغذية التفرقة العنصرية

أسهمت بعض الأحزاب السياسية السودانية، منذ فترة ما قبل الاستقلال، في تكريس الانقسامات الإثنية والجهوية عبر الخطاب السياسي التعبوي والتحالفات المرحلية التي اعتمدت على تجييش الهويات لا على بناء مشروع وطني جامع.
فقد رُوّج لفكرة “العروبة” كمحدد للهوية القومية، مما أدى إلى إقصاء ثقافات ولغات وهوية ملايين من السودانيين. هذا الخطاب المتعالي غذّى سياسات الإقصاء وأفرز ردود فعل متطرفة في أطراف السودان، وأعاق نشوء دولة تنتمي لكل مكوناتها، وتخاطب تطلعاتهم دون وصاية.

خاتمة
السودان لا يحتاج إلى إعادة ترسيم الحدود، بل إلى إعادة تعريف المعاني السياسية للانتماء والسلطة والمواطنة. لذلك فهم السودان يبدأ من تفكيك الصور النمطية عن المركز والهامش، والاعتراف بأن الطبقة السلطوية كانت وما تزال متعددة المنابع. وأن التهميش ضرب الجميع، وأن السودان الجديد لن يُبنى إلا عبر مشروع تأسيس وطني عادل وشامل.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
١٢ مايو ٢٠٢٥ – روما / إيطاليا

spot_imgspot_img