spot_img

ذات صلة

جمع

البرهان: لا تفاوض مع من انتهك حرمة الشعب.. والنصر حتمي

أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة،...

واشنطن تتعهد ببذل جهود دبلوماسية إضافية لإنهاء النزاع في السودان

التحول: وكالات أكدت الولايات المتحدة الأميركية انخراطها مع الشركاء الإقليميين...

نظرية ” القلعة الخرطومية الحصينة”

رشا عوض

الخرطوم يسكنها على اقل تقدير ربع السودانيين، وهي كاي عاصمة قبلة سياسية واقتصادية وثقافية للملايين من غير سكانها، جميعنا نتمناها امنة سالمة معافاة، وناهضة جميلة. السؤال كيف تأمن الخرطوم وتسلم؟ لقد اتى علينا حين من الدهر اعتقدنا ان الخرطوم في حصن منيع يعصمها من الحرائق التي ظلت مشتعلة في الجنوب والغرب عقودا وسكانها في مأمن من المجازر الجماعية ومراكز الاحتجاز المتوحشة ورعب الانفجارات ودفن الاسر تحت انقاض منازلها! فاندلعت حرب الخامس عشر من أبريل لتقول ببساطة الخرطوم يمكن ان تحترق ويتحول سكانها الى نازحين ولاجئين ويفقدون اعز واغلى ما يملكون في طرفة عين! فما هو الدرس المستفاد من هذه التجربة القاسية؟
اهم درس يجب ان نعيه جيدا هو ان سلام وامان الخرطوم يحتاج مشروعا للسلام الشامل والعادل يوقف نزيف الاطراف ويعالج جراحاتها المادية والمعنوية لتنعم هي الاخرى بالسلام والامان، عدا ذلك ستظل الخرطوم مهددة.
المؤسف ان كثيرين لم يستوعبوا الدرس وظنوا ان الحرب قد حسمت لصالحهم وانتهت تماما لمجرد خروج الد.عم السريع من الخرطوم، وتنفسوا الصعداء لان شبح الحرب تم طرده غربا الى دارفور! ولا بأس ان كان للحرب بقية ولو لعقود قادمة ان تظل مشتعلة بكل قبحها وحرائقها وتعذيبها للابرياء في ” مكانها الطبيعي من وجهة نظرهم”! في دارفور وجنوب كردفان! وياله من منطق منحط اخلاقيا وسياسيا، ومتهافت حتى بمنطق المصلحة والمنفعة!
اذ ان التجربة العملية هزمت اسطورة” القلعة الخرطومية الحصينة” لعامين كاملين وقالت للخرطوميين بفصاحة عنترة: ” ليس الكريم على القنا بمحرم”! ولا يوجد سبب منطقي لاستبعاد امكانية تكرار ذلك في المستقبل اذا ظلت العقول المتحكمة في شأننا السياسي والعسكري والاقتصادي على حالها او اضل سبيلا، وظل العقل الجمعي متواطئا معها في الجزئية الاخطر من نظريتها: هناك سودانيين من مناطق بعينها واثنيات بعينها يستحقون السلام والحياة الكريمة مقابل مناطق اخرى واثنيات اخرى لا تستحق ذلك بل ومن حق الشمال السياسي ان يحولها الى ميدان حرب دائم يخوض فيه صراع السلطة الخرطومي المسلح بارتياح عبر حروب الوكالة في دارفور وكردفان كما ظل يفعل في جنوب السودان! مستغلا جهاز الدولة باستخباراته المتمرسة في قاعدة ” فرق تسد” وتوظيف الخلافات والتنافس القبلي لالهاء تلك الاقاليم المنكوبة بصراعاتها حتى لا تهدد السلطة المركزية! هذا المسلك مفهوم من سلطة استعمارية ولكنه غير مفهوم من سلطة وطنية! فازمتنا هي غياب او تغييب المشروع الوطني الذي يحتضن مصالح كل السودانيين بعدالة!
اذا استمر ذات النهج والمسلك في التعامل مع ” معضلة الحرب في السودان” فلن تكون النتيجة سوى تقسيم جديد للبلاد يحمل مزيدا من الشقاء لشعب السودان القديم ولشعوب السودانات الجديدة اسما والقديمة فعلا وممارسة! فالنخب السياسية والعسكرية في طول البلاد وعرضها بما فيها نخب الاقاليم المهمشة نفسها تتقاسم مع نخب الشمال السياسي اسوأ ما فيها: الاستخفاف بحياة المواطنين والشراهة للسلطة والمال مع غياب شبه تام للافق التنموي والديمقراطي والتنويري للنهوض بالمهمشين وخدمة قضاياهم باخلاص وباقتدار! هذا لا ينفي بالطبع وجود استثناءات هنا وهناك تؤكد القاعدة البائسة ولا تنفيها.
بعد هذه الحرب هل يتعقل اهل الخرطوم قضايا السلام والعدالة والسياسة والاقتصاد والتنمية بافق جديد؟ ام يكتفون بتقبيل ايادي الكيزان والعسكر وشكرهم على اخراج الجنجوويد من الخرطوم ويعتبرون ذلك نهاية للحرب متناسين ان الكيزان وعسكرهم هم من صنع هؤلاء الجنجوويد وادخلهم الى الخرطوم ، ومتناسين ان نهجهم السياسي ممثلا في اعتماد البندقية كاداة وحيدة لحيازة السلطة هو سبب هذه الحرب وغيرها، ومتناسين ان النهج الخرطومي المختل منذ الاستقلال جعل الحروب الاهلية تستوطن في هذه البلاد لاكثر من نصف قرن ولا سبيل لايقاف طاحونة هذه الحروب المتناسلة الا التفاق بين كل الفرقاء السودانيين على صيغة متينة للتعايش السلمي مدفوعة الاستحقاقات من كل الاطراف: العسكرية والمدنية والاسلامية، وقد طرحت رؤيتي المتواضعة حول هذه الاستحقاقات في عدد من المقالات المنشورة بصحيفة التغيير الالكترونية، الاولى: نحو بناء الجبهة المدنية للسلام والتحول الديمقراطي (منشورة في ٢٦ اغسطس ٢٠٢٣)، الثانية: العلاقة بين الديمقراطيين والاسلاميين.. حرب وجودية ام تفاوض على شروط التعايش السلمي ( منشورة في ١٣ اكتوبر ٢٠٢٣، الثالثة : القوى الديمقراطية ومعضلة الدعم السريع ( منشورة في ١ نوفمبر ٢٠٢٣)، الثالثة: القوى الديمقراطية ومعضلة الجيش( منشورة في ٥ نوفمبر ٢٠٢٣).

spot_imgspot_img