التحول: متابعات
يستضيف موقع تجمع السلامابي في ولاية القضارف بالسودان آلاف النازحين الذين فروا من العنف المسلح في أجزاء من ولاية الجزيرة.
أجرى الحوار: خالد هريدي
وصفت القائمة بأعمال ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، أرجنتينا ماتافيل بيتشين وضع الفتيات والنساء في السودان بأنه “يفطر القلب”، منبهة إلى الأثر المدمر للصراع عليهن.
وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، أشارت المسؤولة الأممية إلى أنه من بين 12 مليون نازح في السودان، هناك حوالي 2.7 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، بمن فيهن 300 ألف امرأة حامل.
وقالت: “بالإضافة إلى التعامل مع المشاكل والطوارئ التي قد تحدث أحيانا أثناء الحمل، فإن التحدي الذي تواجهه العديد من هؤلاء النساء والفتيات هو تعرضهن للانتهاكات الوحشية للاغتصاب، مما يسبب لهن كربا نفسيا وجسديا”.
وأوضحت أن العديد من هؤلاء النساء عليهن أن يكن أمهات وآباء في نفس الوقت لأن الرجال إما منخرطون في القتال أو في مكان آخر، “وعندما تتشتت العائلات، تجد النساء أنفسهن وحدهن مع الأطفال”.
وقالت بيتشين: “بعض النساء ينتهي بهن المطاف بالولادة على قارعة الطريق عندما يفررن من بيوتهن بعد سماع القصف والقنابل. أحيانا لا يكون هناك أحد بالقرب منهن، أو قد يكون هناك من لا يعرف حتى ما يجب فعله، فهؤلاء الأشخاص ليسوا قابلات وغير مدربين. وبالتالي، عندما تتم الولادة دون وجود عناية ماهرة، قد يُصاب الطفل حديث الولادة بمرض الكزاز، لأنهم يقطعون الحبل السري بأي أداة يجدونها. وغالبا لا يتمكن هذا المولود الجديد من البقاء على قيد الحياة خلال الرحلة قبل أن تحصل أمه على الرعاية”.

تأثير ممتد للأجيال القادمة
وأشارت المسؤولة في صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان إلى تأثير مستويات سوء التغذية على النساء الحوامل اللاتي يصبحن منهكات للغاية بسبب أيام من الفرار على الطريق وعدم وجود طعام.
وحذرت من تأثير هذا الأمر على الجيل القادم، مضيفة: “عندما تعاني الأم من سوء التغذية، سيكون للمولود الجديد خيارات أقل للبقاء على قيد الحياة. وعندما ينجو الطفل تكون قدرته على التعلم والذهاب إلى المدرسة أقل بكثير من أطفال النساء اللواتي قد يحصلن على تغذية أفضل”.
وتحدثت عن تحديات أخرى تواجه النساء الحوامل في البلاد مثل النزيف الذي قد يعرض حياتهن للخطر، لاسيما إذا كان النزيف غزيرا والذي يعني أن أمامهن ساعتين فقط للبقاء على قيد الحياة، “وغالبا لا يصلن إلى مركز صحي في الوقت المناسب”.
\وأشارت إلى أن بعضهن يعانين من التعب، فضلا عن أن بعضهن لديهن بالفعل طفل صغير آخر أو أكثر يحملنه أثناء النزوح، مما يصعب من حركتهن.
فرق متنقلة
وقالت المسؤولة الأممية إن هؤلاء النساء عليهن التعامل مع مشاكل عدم الوصول الفوري إلى الخدمات في حالات الطوارئ أثناء الحمل، مضيفة “هن بعيدات عن المستشفيات، والمستشفيات القليلة القريبة مثقلة، لأن حوالي 80 في المائة من البنية التحتية الصحية قد استُهدفت بشكل مباشر، كما أن موظفي المستشفيات يفقدون أرواحهم أيضا، بينما غادر آخرون، والقلة المتبقية تعمل أياما عديدة متواصلة لتقديم الخدمات”.
وأفادت بأن ما يفعله صندوق الأمم المتحدة للسكان هو جلب فرق متنقلة مع الشركاء الأمميين والمنظمات غير الحكومية، إلى أقرب مواقع التجمع أو إلى المخيمات حتى تتمكن هذه الفرق المتنقلة من تقديم الحد الأدنى من الخدمات.
لكنها نبهت إلى أن هناك وقتا تحتاج فيه هؤلاء النساء إلى خدمات سريرية فعلية عالية المستوى، بما في ذلك عمليات الولادة القيصرية أو النزيف.

خصوصية مفقودة وصحة نفسية هشة
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إن ما يقدر بنحو 6.7 مليون شخص يواجهون خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان، مع تعرض النساء والفتيات النازحات واللاجئات والمهاجرات للخطر بشكل خاص.
وفي هذا الصدد، قالت بيتشين إنه “عندما تفر النساء لأيام ويتعرضن للاغتصاب ويتحملن أنواعا أخرى من العنف، غالبا ما تكون صحتهن النفسية هشة ويحتجن إلى المساعدة، ولا يستطعن التحدث إلى الناس. لذا، يحتجن إلى الخصوصية ليتمكنّ من الحصول على الدعم، وللتعبير عن آرائهن”.
وضربت مثلا بزيارتها لمخيم للنازحين في ولاية القضارف حيث كانت هناك منطقة تجمُع واحدة تضم ما بين 5000 و10000 شخص، وهي “مجرد منطقة مفتوحة خالية من الخيام. ولكم أن تتخيلوا هذا الافتقار إلى المساحة اللازمة للحد الأدنى من الخصوصية”.
ويوفر الصندوق مساحات آمنة للناجيات من العنف الجنسي، تساعدهن على الحصول على الخصوصية التي يتـقن إليها والدعم النفسي والاجتماعي. وأفادت المسؤولة الأممية بأن الصندوق يقدم للناجيات تدريبا على أنشطة مُدرة للدخل ليتمكنّ من البدء بتعلم بعض المهن.
وأضافت أنهم يقدمون كذلك إحالات، حيث “تعرّضت بعض هؤلاء الفتيات والنساء لاعتداءات وحشية، ولديهنّ عواقب جسدية تحتاج، بعد تعرّضهنّ للاغتصاب، إلى ما نُسمّيه إدارة حالات الاغتصاب، وذلك من خلال منشأة صحية تضم طاقما طبيا مُدرّبا للتعامل مع هذه الأمور”.
وقالت إن الصندوق كذلك يوفر قسائم ومساعدات نقدية لتتمكن الناجيات من الوصول إلى الخدمات التي تتطلب الدفع، فضلا عن توفير مستلزمات الكرامة التي تضم ملابس جديدة “ليتمكنّ من مغادرة مخيم النازحين أو الذهاب إلى أماكن أخرى، والاستفادة من الخدمات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية الأخرى. فهن أحيانا يترددن إذا لم يشعرن بالنظافة”.

© UNICEF/Osman Rajab
أطفال وأسر نازحة يقيمون في مبنى غير مكتمل في منطقة منى البريه عند مدخل ولاية القضارف، السودان..
تزويج الأطفال
ولفتت المسؤولة الأممية إلى أنه مع تفشي العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، يُفضّل الآباء والأمهات تزويج الطفلة مبكرا، محاولين بذلك تجنّب مشاكل الشرف، “فإذا اغتُصبت وهي غير متزوجة، فقد لا تتمكن من الزواج لاحقا”.
وأوضحت أن هناك عاملا آخر يساهم في ارتفاع نسبة تزويج الأطفال، وهو العامل الاقتصادي.
وأضافت: “في أوقات الحرب، تقلّ الموارد لدى الجميع، وغالبا ما تُترك النساء وحدهن لإعالة أنفسهن وأسرهن، بينما ينشغل الرجال بالحرب، فلا يستطعن إطعام أفواه كثيرة. ولذلك، ينظرن إلى بناتهن اللواتي بلغن سنّ البلوغ، ويعتقدن أنه يمكنهن تزويجهن ببساطة كوسيلة لخفض نفقات المنزل”.
وضع حرج
مسؤولة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان أوضحت أنهم يتطلعون إلى بعض الاستقرار في بعض أجزاء البلاد، مضيفة أنه مع وجود الحكومة، “أصبحنا قادرين على الوصول إلى مزيد من المستشفيات والمرافق الصحية، ولذلك نريد التأكد من تعزيز هذه الأنظمة والبنية التحتية، وإعادة تأهيل وتدريب الكوادر الطبية”.
وفيما يتعلق بالأنظمة التي تستجيب وتُحيل حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، قالت بيتشين إن الصندوق يريد توسيع نطاق تدخله على الصعيد المحلي، وهذا يعني العمل بشكل أكبر مع الشركاء المحليين، وتوفير مزيد من التدريب، والتقارب مع المنظمات غير الحكومية المحلية، والمنظمات التي تقودها النساء الأقرب إلى المجتمعات، والتأكد من حصولها على المعرفة والإمدادات اللازمة.
وأضافت: “لا يمكن القيام بأي تدخل صحي أو حتى الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي بدون إمدادات. ولذلك، يضمن صندوق الأمم المتحدة للسكان توفر هذه الإمدادات”.
ونبهت إلى نقص التمويل، والذي أصبح لا يكفي لتلبية احتياجات الجميع، مضيفة أنه: “مع التخفيضات الأخيرة، أصبح الوضع حرجا، وأنا أتحدث عن المناطق التي يمكننا الوصول إليها”.
وقالت المسؤولة الأممية: “نؤمن بأن السلام قادم، ونأمل وندعو أن يحل قريبا، لذا نحتاج إلى البدء في ضمان حصول البنية التحتية والمؤسسات على الدعم اللازم لتكون قادرة على تلبية الاحتياجات”.