spot_img

ذات صلة

جمع

ياسر العطا : لا توجد مفاوضات سرية والمعارك القادمة ستكون مفصلية

الخرطوم: التحول قطع الفريق أول ركن ياسر العطا، مساعد القائد...

حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة!

رشا عوض تعرض الشاب الخلوق المصور الصحفي ابراهيم نقد الله...

عاجل.. قصف مكثف في محلية قيسان بـ “المانجو” والتجار يضطرون لإغلاق السوق

قيسان: التحول في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة المعارك بين...

تصاعد العنف في جنوب كردفان ودارفور: مجازر، قصف عشوائي، وانهيار إنساني متفاقم

كادقلي: الفاشر: التحول بث عناصر بالجيش السوداني مقطع فيديو يعلنون...

في تذكر الدكتور عبد الرحيم بلال 10ديسمبر 1036 ــ 15 مارس 2025م)

حامد فضل الله بدعوة من الجالية السودانية والنادي السوداني في...

16 مايو 1983- 16 مايو 2025م.. الفجوة بين الحركات وجماهير الهامش نحو عصرنة وتجديد مشروع الهامش (1 ــ 2)

ياسر عرمان

        (١) 

في ١٦ مايو ١٩٨٣ وفي مدينة بور بأعالي النيل في جنوب السودان، ذلك اليوم دشن عصراً جديداً وموسيقى سياسية عسكرية لازال صداها يتردد إلى يومنا هذا وأثرها محسوس، وحرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ في السودان يرجع حمضها النووي في بعض جوانبه إلى أسئلة ١٦ مايو بل وإلى ما قبلها، فأسئلة الأمس القديمة لازالت تلاحق اجندة الحاضر.
مؤخراً رحل اللواء البينو أكول أكول واحد من ارفع ضباط الانيانيا الأولى الذين تم استيعابهم في القوات المسلحة ليس ذلك فحسب بل البينو أكول أكول كان رئيساً للتنظيم السري للمستوعبين من الانيانيا داخل الجيش، وفي ١٦ مايو ١٩٨٣ وصل دكتور جون قرنق العقيد في القوات المسلحة لمدينة بور بتخطيط وتدبير مسبق بعد ان أخذ إذناً من قيادته في الخرطوم وساعده الفريق يوسف أحمد يوسف في ذلك ووفر له العميد فضل الله برمة ناصر الضابط في عمليات الجيش وسيلة النقل لجوبا، كان قرنق يسعى سراً لاقناع كاربينو كوانجن بول بالالتزام بخطة التنظيم السري وتفادي الدخول في معركة قبل الاوان في حامية بور، وقد نقل الراحل اليجا ملوك صورة حية لذلك الاجتماع التاريخي، ولكن كاربينو ضغط على الزناد وانطلقت الرصاصة الأولى في ١٦ مايو ١٩٨٣، تلك الرصاصة التي غيرت الهامش والسودان ومن بعدها لم يعد السودان كما كان.
١٦ مايو ١٩٨٣ كان لها ما بعدها في ريف ومدن السودان، لم تكن حدثاً عسكرياً مجرداً من تضاريس السياسة فالطلقة كانت اضعف جوانبها مقارنة بالتطور السياسي الفريد والوهج الفكري الذي خرج من معطف حركة الهامش الجديدة، ففي يوليو ١٩٨٣ أصدرت الحركة الشعبية لتحرير السودان المنافستو الأول الذي حمل رؤية السودان الجديد ببصمات دكتور جون قرنق وقد شكل مشروعها تحدياً لمشروع السودان القديم في أكثر نقاطه الفكرية والسياسية قوةً وتماسكاً بل تخطت الحركة تحديها للمشروع القديم بطرح بديل جديد في الكليات أهم جوانبه وحدة السودان والعدالة الاجتماعية والمواطنة بلا تمييز.

  (٢) 

تطور مشروع السودان الجديد متجاوباً مع تعقيدات الواقع والمتغيرات اللاحقة التي شهدها المسرح السياسي، وكان لقيادة جون قرنق وذهنه المتوقد وقدرته على استيعاب المتغيرات والتجديد دوراً رئيسياً في ذلك.
في البداية تحدث قرنق عن المناطق المتخلفة والتنمية غير المتوازنة ثم طور أطروحته متحدثاً عن المركز والهامش وتقدم نحو رفض النظرة للهامش والمركز ككتلة صماء وعمل على استيعاب الجوانب الطبقية والاجتماعية والأبعاد التاريخية مع قضايا القوميات ولاحقاً لامس بعمق قضية الديمقراطية.
تميزت الفترة من ١٦ مايو ١٩٨٣ – أغسطس ١٩٩١ بطرح ملتزم بالوصول إلى سودان موحد ديمقراطي علماني كما تم الحديث عن سودان اشتراكي في بداية الفترة. منذ أغسطس ١٩٩١ بعد احداث الناصر وانقسام الحركة الشعبية مثل طرح قضية تقرير المصير تحدياً لأطروحة السودان الجديد ولكن دكتور جون قرنق الذي استخدم المنهج الجدلي في تحويل الكارثة لمنفعة حاول استيعاب أطروحة تقرير المصير التي تجد تأيداً واسعاً وسط القوميين الجنوبيين في اطار طرحه لوحدة السودان.

 (٣) 

أطروحة السودان الجديد على أهميتها لم تتجاوز العموميات والشعارات وأجابت على أسئلة كبرى دون برنامج تفصيلي واصطدمت بمكر المركز وتأمره ولم تتمكن من بناء جبهة عضوية وحلف تاريخي من المهمشين في الريف والمدينة قادر على انجاز المهمة التاريخية وتنفيذ مشروع وطني جديد، بل ان الرؤية نفسها استخدمت كآلية للانفصال بدلاً من رؤية لإحداث التغيير التاريخي، وقد اقترب جون قرنق من حلمه عند لقاء جمهور الساحة الخضراء في يوم الجمعة ٧ يوليو ٢٠٠٥ الذي شكل لوحة للتنوع السوداني.
واجهت رؤية السودان الجديد مصاعب جمة عند اختبارها وهي تتعامل مع تشكيلات ما قبل الرأسمالية في ريف السودان والتي تميل لتلبية رغبات القوميين المحليين ذوي النظرة الضيقة بدلاً من الانفتاح نحو مشروع وطني ديمقراطي يتخطى الانقسامات الاجتماعية ويداوي جروح التاريخ ويتجاوز المحدوديات والتحيزات الضيقة ويصل لكتلة عضوية وازنة قادرة على بناء مشروع نهضوي جديد يعطي الكرامة للجميع، ويبني دولة المواطنة الديمقراطية بلا تمييز ويحقق العدالة والتنمية المستدامة، ويجسر العلاقة بين الريف والمدن ويعيد الوجه المنتج للريف أو كما عبر عنه مفكر المشروع ورائد التأهيل النظري والعملي دكتور جون قرنق حينما دعا لنقل المدينة إلى الريف لا الريف إلى المدينة.

(٤)
بعد ٤٢ عاماً وأمامنا احلامنا وخلفنا الممارسة العملية لحركات الهامش وفي مقدمتها الحركة الشعبية فإننا في مفترق الطرق، طريق سلفي يقود للتكلس ولا يعترف بسلبيات التجربة ولا يطرح الاسئلة بنظرة نقدية لتطوير مشروع السودان الجديد ، بل يعمل على قتله حينما لا يريد الخروج من سفر التمجيد إلى أسفار النقد وأعمال العقل والمنهج السليم في تطوير هذا المشروع الهام الذي أثبتت آخر الثورات السودانية في ديسمبر صلاحيته، وكان شعار “الشعب يريد بناء سودان جديد”، شعاراً رئيساً في أعالي جمهورية النفق يشحذ افئدة الديسمبريات والديسمبريين بطاقة جديدة.

(٥) 

الخروج من مأزق بنادق ١٥ أبريل والوصول لسلام مستدام لن يتأتى إلا بالعودة لمنصة التأسيس وبناء سودان جديد بأرادة الجماهير لا من فوهة البندقية ومشاريع الاستبداد. ومن جهة أخرى لابد لنا من العودة بنظرة معمقة لاستعادة الروابط والعلاقات الاستراتيجية بين دولتي السودان من شرفة التاريخ والمصالح الفعلية والمشتركات العميقة لا من ثقب الباب حتي نصل إلى (اتحاد سوداني) بين دولتين ذوي سيادة ونمضي نحو مشروع أكبر وحلم مشترك مع الأفارقة والعرب والانسانية جمعاء.

 (٦)

تجربة حركات الهامش السودانية تحتاج لوقفة من منظور استراتيجي تأخذ على نحو جاد الفجوة الفكرية والسياسية والتنظيمية التي لا يمكن ان يستهان بها بين حركات الهامش وجماهير الهامش فكثير من الممارسات التي قامت بها معظم الحركات هي امتداد للدولة القديمة والمشروع القديم وقد عمقت حرب ١٥ أبريل مأزق كثير من حركات الهامش، وضعتها امام خيارات صعبة.
قوى الهامش وحركات الهامش وقضية الهامش تستحق وقفة جادة ومراجعة رصينة للفكر والممارسة بغرض عصرنة وتجديد مشروع الهامش والوصول لتحالف عضوي للمهمشين في الريف والمدن بما في ذلك النساء مهمشات المهمشين، وتعزيز الاهتمام بقضايا الفكر والثقافة ودراسة تجربة الثورة السودانية خلال المائة عام الماضية منذ ثورة ١٩٢٤ إلى يومنا الراهن واستخلاص الدروس.
قضية الكفاح المسلح وما تمخض عنه من تجارب هامة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية واسيا وغيرها تحتاج لدراسة تطرح الاسئلة الكبرى حول جدوى الكفاح المسلح وكلفته الانسانية وهل هو الطريق والآلية الوحيدة لتحقيق مشروع السودان الجديد؟ كما نحتاج لتقييم نقدي لتوظيف كثير من حركات الهامش لمجهود وتضحيات الجماهير لتلبية رغبات النخب الضيقة في السلطة والثروة بدلاً عن حل مشاكل الجماهير.
اننا ان لم نواجه هذه الاسئلة بشجاعة وبروح النقد الذاتي لتجاربنا فإننا لن نصعد إلى مرافئ المشروع الجديد وسنصاب بالسلفية والتكلس وبدلاً عن ان تكون حركات الهامش كنزاً ثميناً ستكون عبئاً ثقيلاً.
ان مراجعة تجربتنا وممارستنا حيال قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية اضحت قضية جدية والا فإننا سنعمل على اضافة فصل جديد في كتاب انتهاكات النظام القديم، ان حركات الهامش تحتاج لاعادة النظر في القضية المفتاحية من هو العدو؟ وان تخرج من شرنقة الانحيازات الاثنية لرحاب مشروع وطني قادر على مجابهة خطل المشروع القديم، وان لا تقف حركات الهامش عند أسوار الاحتجاج والشعارات بل تنفذ لتقديم بديل وطني يجمع ويبني، ان كثير من التجارب دلت انه يمكن هدم النظام القديم دون القدرة على بناء نظام جديد.
ان حركات الهامش في النظرة النقدية لتجربتها وممارستها تحتاج للخروج من التعميم والنظر للصراع السياسي والاجتماعي وقواه الحية ليس ككتل صماء بل عليها ان تمييز بدقة بين الاصدقاء والأعداء الفعليين والمحتملين.
ان القوى المهمشة في مجتمعنا في الريف والمدن تشهد متغيرات سياسية واجتماعية ومتغيرات في تركيبتها والقوى المكونة لها ونحن على اعتاب نشأة حركة جديدة لقوى الهامش ثاقبة النظر وثابتة الخطى تستفيد من ايجابيات وسلبيات تجارب الماضي.
…. نواصل

١٦ مايو ٢٠٢٥

spot_imgspot_img