spot_img

ذات صلة

جمع

اتحاد صحفي جنوب السودان يطالب بإطلاق سراح عادل فارس

جوبا: التحول أدان الاتحاد العام للصحفيين في جمهورية جنوب...

أضرار كبيرة نتيجة حريق نشب في سوق الأدهم الحدودي بين جنوب السودان والسودان

الرنك: التحول التهم حريق هائل السوق الشعبي في منطقة الأدهم...

وزير المالية يؤكد إهتمامه بتنفيذ الخطة الإسعافية لإنقاذ الموسم الشتوي بالولاية الشمالية

بورتسودان: التحولأكد د.جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي إهتمامه...

انقسام داخل أكبر تحالف رافض للحرب في البلاد

بورتسودان: التحول أعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان "تقدم"،...

الدليل المبسّط للحرب الأهلية


حمور زيادة حمور زيادة

الحرب الأهلية مصطلح يستخدمه المحلّلون والمراقبون عادةً لوصف “الاقتتال المسلّح ضمن حدود كيان معترف به، له سيادة، بين أطراف كانت تخضع لسلطة مشتركة عند اندلاع الأعمال العدائية”. لكنّ المُلاحَظ دوماً في الحروب الأهلية أنها ترفض هذا التوصيف، ويستعيض عنها أطرافها أحياناً بتعابير ومصطلحات، بعضها أقلّ حدّةً، مثل “الأزمة” و”المشكلة” و”العنف”.

أمّا في الغالب، فيستخدم كلُّ طرف مصطلحاً يعزّز شرعية موقفه هرباً من “المساواة” بين الطرفَين. في الحرب الأهلية الأميركية (1861 – 1865)، التي لم يعد من الممكن اليوم تسميتها بغير هذا الاسم، وقتها كانت حكومة الولايات الشمالية تسمّيها “حرب العصيان”، بينما تسمّيها ولايات الجنوب “الثورة الأميركية الثانية”. هذه التسميات، رغم انتصار ولايات الشمال، لم تنتصر، ودخلت الحرب الأميركية التاريخ واحدةً من أشهر الحروب الأهلية. ينجم عن الحرب الأهلية تقسيمٌ عنيفٌ للأرض عملياً، من دون حاجة إلى إعلان تقسيم رسمي أو إعلان حكومات مختلفة في مناطق السيطرة.

يكفي أن يكون هناك واقع عملي اسمه “أماكن سيطرة الطرف الفلاني”، حتى لو احتفظ طرف بالسلطة الاسمية الرسمية، مثلما يحدث في السودان من تعيين الحكومة العسكرية ولاةً على ولايات لم يستطيعوا دخولها، لأنها عملياَ تحت سيطرة قوات الدعم السريع. عادة ما تندلع الحروب الأهلية لاختلافات عقائدية كما حدث في أوروبا العصور الوسطى (مثل الحرب الأهلية بين الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا)، أو اختلافات عرقية مثل حرب رواندا (1990 – 1993)، أو صراع مُجرَّد لحيازة السلطة، مثل حروب الإمبراطورية الرومانية، وغيرها في التاريخ، القديم منه والحديث.

لا تشترط الحروب الأهلية عدم وجود جهة ذات شرعية أو عدم وجود جيش رسمي. إنها تنشأ بين أطراف يمكن أن يكون لأحدها سلطةٌ شرعيةٌ معترف بها محلّياً ودولياً، لكن ذلك لا يغيّر من حقيقتها. وكذلك بمشاركة الجيش الرسمي. في أغلب حالات الحروب الأهلية تكون المواجهة الرئيسة بين الجيش الرسمي ومليشيات غير نظامية. كما لا يغير طبيعة الاقتتال الأهلي تدخّل أطراف خارجية.

الحرب الرواندية الأشهر في المنطقة الأفريقية خلال العقود الماضية شهدت تورّطاً مباشراً لفرنسا وأوغندا وزائير، والحرب الأهلية في اليمن (1962 – 1970) شهدت صراعاً مباشراً بين مصر والسعودية، ولا يتّسع المقال لذكر الدول التي تورّطت في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990). ما لاحظه الباحثون هو ارتباط الحروب الأهلية بالعنف المفرط بشكل لافت، أكثر من الحروب بين الدول وغيرها من أشكال الصراع، حتى داخل حدود الدولة (مثل الثورات، أو الانقلابات).

فاذا كانت الحرب تُسبّب العنف (وهي لحظة من لحظات العنف الجمعي)، فإن الحروب الأهلية، حسب رينيه بيرناند، هي “عادةً أشدّ أنواع الحروب مرارةً ودمويةً”، ويذهب بيرناند إلى أن القسوة هي المرافق الثابت لها. وهنا، لا يقيس الباحثون عنف الحروب الأهلية بعدد الضحايا مقارنةً بحروب الدول، فعادة ما تتفوّق الأخيرة في عدد الضحايا، لكن يركّز الباحثون في “العنف المفرط والوحشية”.

في هذه المقارنة، تفوز الحروب الأهلية عادةً. لذلك، تبدأ الحروب الأهلية دوّامات من الوحشية قد لا تنتهي بانتهاء عمليات القتال، وهي عمليات قتال لاحظ الباحثون أنها تقلّ في الحروب الأهلية لصالح الاعتداءات على المدنيين. لذلك، قد يتوقّف القتال الرسمي، لكنّ الوحشية تتواصل. يحكي أحد القضاة الأميركيين في مذكّراته عن الحرب الأهلية الأميركية قائلاً، إن “سكّان ولاية كارولينا الجنوبية أصبحوا معتادين على العنف لدرجة أنهم تصالحوا مع أنفسهم حول قتل بعضهم بعضاً”.

في دراسة أميركية أجريت على عدد من معاصري الحرب الأهلية اللبنانية، حكى الشهود، الذين كان بعضهم في سنّ الطفولة والمراهقة، عن تجارب الاستمتاع برؤية جثث “الأعداء”، إذ كان الكبار يصطحبونهم إلى أماكن تصفية المدنيين أو مقاتلي الكتائب الأخرى. بحسب محلّلين، فإن الحروب الأهلية “تخفّض كلفة النشاط العنيف”، وتحوّل العنف سلوكاً مقبولاً، بل ومربحاً. ربّما يفسّر هذا دوامة الحروب الأهلية التي يخوضها السودان منذ العام 1955، الحرب الأهلية الأولى في جنوب السودان (1955 – 1972)، ثمّ الحرب الأهلية الثانية في جنوب السودان (1983 – 2005)، ثمّ حرب دارفور (2003 – 2020)، مع صراعات متفرّقة وأقلّ حدّةً في مناطق أخرى، قبل حلول الحرب الكُبرى في 2023، المستمرّة.

spot_imgspot_img