spot_img

ذات صلة

جمع

الأمم المتحدة: الدعم السريع يمنع وصول شاحنات إلى معسكر زمزم الذي يواجه المجاعة

أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في...

أحد أكبر الأجسام المهنية يجمد نشاطه في تحالف “تقدم”

كمبالا: التحول جمد تجمع الحرفيين السودانيين نشاطه داخل هياكل تنسيقية...

المجلس النروجي للأجئين : مئات الآلاف من الاجئين السودانيين في تشاد يفتقرون إلى المساعدات الأساسية

انجامينا:التحول أكد المجلس النروجي للاجئين، الأربعاء إن مئات الآلاف من...

الحرب في السودان : بعض تحديات الاستقرار والتعافي الاقتصادي واعادة الاعمار

بروفيسور حسن بشير محمد نور بعد تقدم الجيش السوداني وحلفائه...

تطورات الأحداث والطريق لوقف الحرب والديمقراطية

تاج السر عثمان ١. اشرنا سابقا بعد دخول الحرب اللعينة...

حالة اللاحرب واللاسلام السودانية

عمر العمر

انتشار الجيش السوداني ومليشياته في رقعة العاصمة المثلّثة لا يعني نهاية الحرب. ليس السودان استثناءً. المنطقة بأسرها تلج منطقة زمانية بين اللاحرب واللاسلام، تساهم في ارتجاجها “عاصفة ترامبية” تهبّ على مناطق متفرّقة من العالم. إسرائيل باغتتها الدهشة بخروج مقاتلي حركة حماس في بزّاتهم القتالية من تحت أنقاض غزّة غداة الهدنة. بعد أكثر من 400 يوم من التدمير، استيقظ اليمين الإسرائيلي على أنه لا يزال بعيداً من الأمان. نتنياهو نفسه نقل آليات التدمير إلى الضفة الغربية حتى يعزّز مواقعه في منطقة اللاحرب واللاسلام. سورية خرجت من قبضة نظام شمولي طائفي، استبدلت قبضة طائفة بأخرى ويداً أجنبية بغيرها، ولم تستنشق بعد ياسمين السلم الاجتماعي. صحيحٌ تحرّرت الشام من القبضة الإيرانية، لكنّ تركيا تمدُّ باعاً طويلاً من أعلى الفرات إلى أدنى بردى، فإذا لم يضع ذلك كلّه سورية في مهبّ اللاحرب واللاسلام، فإن إسرائيل باتت تطلّ على الصالحية من الجولان.رحلات السودان

أحد أبرز أسباب دخولنا اللاحرب واللاسلام تمترسنا في الانحياز أو الإنكار المسبقين. الإدمان على ذلك التموضع يجرّدنا من رؤية المشهد الوطني بعين الحيادية، إن لم نقل الموضوعية. فانتشار الجيش ومستنفريه يطرح سلسلةً من الأسئلة الملحّة. لعلّ أولها يتعلّق بتحديد مواقع “الجنجويد” بعد هزيمتهم أو انسحاباتهم، لا يهم. ثمّة أسئلة متلاحقة في هذه الجبهة، ربّما تجد إجابات حاسمة تؤكّد اللاحرب واللاسلام أكثر من الجزم بإطفاء نار الحرب. لعلنا اكتشفنا في عتبات هذه المنطقة الرمادية وجود مقاتلين رماديين في صفوف “الجنجويد”. فلا هم من الغرب القصي المُعذَّب ولا هم من خُصوم دولة 1956، المُفترَى عليها. في المقابل، يتكشّف عند العتبات مقاتلون في معسكر الجيش مدجّجون بالشهية في السلطة والثروة والثأر والانتقام للحزب، أكثر من امتلائهم بروح الولاء للوطن. كلاهما تيّاران يعزّزان هبوب اللاحرب واللاسلام.

حرب السنتَين المهدرتَين خاسرةٌ في الجبهات كلّها، وممّا يتوغّل فينا والوطن في اللاحرب واللاسلام أن نارها لم تلامس عقلياتنا على نحو يطوّر منهج تفكيرنا. فبالإضافة إلى التمترس في الانحياز والإنكار، يشطّ بنا الوهمُ فوق الواقع، إذ نرسم خريطة عليها جسورُ عبورٍ إلى فردوس مُتخيّل أو ساحات حروب مصطنعة، بغية تحقيق انتصارات مشتهاة. على تلك الخريطة تغلب تضاريس لاحتمالات اللاحرب واللاسلام، فهناك انتصار يستردّ به الإسلاميون السلطة. هذا احتمال ينطوي على صراع لا محالة بين الجنرالات وقيادات مدنية بمساندة مستنفرين. ثمّة سيناريو لنزاعات متعدّدة داخل معسكر الانتصار. فهناك صدام مرتقب بين حركات اتفاق جوبا والجيش، وآخر بين هؤلاء من جهة وقيادات حزبية في الجانب المقابل. كيفما تشكّل الصراع، أو تبلورت الغلبة، فإن الثابت يبقى نشوء حالة اللاحرب واللاسلام، بل تغذيتها بأيدينا أكثر من تغليب الاستقرار بعقلياتنا.

هناك فئة مستوعبة التجربة برمتها، غير أنها تحرص على النأي بنفسها عن مخاطر مرحلة اللاحرب واللاسلام، وعدم قدرتها على إدارتها

عودة الجيش وحاضنته السياسية إلى السلطة موسومة على الأقلّ بتربّص لا يفضي بنا إلى السلام المُرتجَى. ففي صدور الفريقَين مرارات منذ انفجار ثورة ديسمبر (2018)، ثمّ انتقادات إبّان المرحلة الانتقالية، فاتهامات إبّان إدارة الحرب النتنة. في المرحلة المستجدّة يصعب (إن لم يستحيل) إبقاء هذه التراكمات كلّها تحت السيطرة. الأرجح دفعها أو اندفاعها إلى التفجُّر. هذه حالة تشكلّ مصدر ضغط على اللاحرب واللاسلام، سواء ظلّت في طور التوتّر أو بلغت مرحلة الانفجار. وفي الحالتَين، على إيقاع من يصعد إلى كابينة القيادة من الفرقاء داخل الجيش. هناك فيلقٌ مشحونٌ بالنشوة والثأرية، وآخر يذهب إلى الثأر، لكنّه حريص على الانفراد والاحتكار إلى حد نفي الجميع. هناك فئة مستوعبة التجربة برمتها، غير أنها تحرص على النأي بنفسها عن مخاطر مرحلة اللاحرب واللاسلام، وعدم قدرتها على إدارتها.

حالة اللاحرب واللاسلام يعزّزها سؤال محوري عمّا إذا كان النصر في العاصمة والجزيرة يكفي لبسط الطمأنينة، أم أن على الشعب أن ينتظر طويلاً حتى ينشر الجيش في تراب الوطن كلّه. كيفما جاءت الإجابات عن تلك الأسئلة ينبغي زرع إدارة حكومية. تلك مهمّة شاقّة مثلما هي مصدر إضافي يوسّع أخاديد اللاحرب واللاسلام. فمن العسير التلاقي على تشكيلة تحظى بإسناد جماهيري مطلوب بغية إنجاز مهام المرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد. فمن أبرز سندات تأهيل تلك الإدارة، قبل السند الجماهيري، القدرات الذاتية، والروح الوطنية، ونكران الذات، والطهارة والشفافية. من أول مهام المرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة، وإعادة تأهيل شبكات الخدمات الرئيسة لمقوّمات الحياة الإنسانية. كيفية بناء السلطة وقوامها يشكّل في ذاته منخفضَ جذب لكلّ رياح الخلافات السودانية المبنية على الانحياز والإنكار المسبقَين. تلاطم هذه التناقضات كلّها يعزّز فرضية التوغّل في اللاحرب واللاسلام.

أحد أفضل شروط تجاوز مطبّات حالة اللاحرب واللاسلام في السودان رفع منسوب الوعي لدى النُخَب القائدةرحلات السودان

أحد أفضل شروط تجاوز مطبّات حالة اللاحرب واللاسلام، رفعُ منسوب الوعي لدى النُخَب القائدة. بما أن أحد دوافع انقلاب 25 أكتوبر (2021) هو قطع الطريق على ثورة ديسمبر (2018)، فالاعتقاد بطمر الثورة تحت ركام الحرب منخفضٌ أشدُّ جاذبيةً لهبوب رياح عاصفة تعرّي حتماً هشاشة حالة اللاحرب واللاسلم. فإنجاز الانقلاب لا يعني نهاية الثورة. كذلك ممارسة أشكال العنف كلّها إبّان الحرب لا تعني تصفية قضايا الحرّية والعدالة والسلام. فكما فاجأ مقاتلو “حماس” إسرائيل بالظهور من بين أنقاض غزّة، سيبرز شباب الثورة من بين حطام المدن المهشّمة.

“العاصفة الترامبية” التي تهبّ على بقاع متفرّقة من العالم لن تترك ثغرةً للرهان على أيّ قوة خارجية، فكل حكومة ستنشغل بتأمين حدودها القُطرية في وجه تداعيات تلك العاصفة. فلا مناص من البحث عن حلول نصنعها بعقلياتنا وننجزها بأيدينا، إن استهدفنا عبوراً عاجلاً آمناً.

المصدر: العربي الجديد

spot_imgspot_img