الخرطوم: التحول
في وقت تتواصل فيه الحرب التي دخلت عامها الثالث، وتسببت في نزوح وتشريد ملايين المواطنين ودمرت البنى التحتية بما فيها مؤسسات الدولة وعطلت دولاب العمل، أصدرت تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية ولجنة المعلمين السودانيين بيانات منفصلة انتقدت فيها بشدة محاولات السلطة الحاكمة لإحياء النقابات القديمة الموالية للنظام البائد، وفرضها على المشهد النقابي بقوة الأمر الواقع، مستغلة حالة الانقسام والحرب.
عودة مفاجئة لنقابات “النظام البائد”
أعلنت وزارة العدل السودانية، عبر مسجل عام تنظيمات العمل، عن توجيه رقم (1) لسنة 2025، يقضي ببدء مراجعة وتوفيق أوضاع المكاتب التنفيذية لنقابات العمال خلال أسبوعين، تمهيدًا لإجراء انتخابات نقابية جديدة. القرار اعتبرته تنسيقية المهنيين محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج نقابات “صورية” تدين بالولاء للسلطة، وتستخدم للتمثيل الخارجي وتزييف الإرادة العمالية في الداخل.
ووصفت التنسيقية القرار بأنه “نية مبيّتة لإتمام عملية شكلية وسريعة تهدف لإضفاء شرعية زائفة على كيانات موالية للسلطة”، مؤكدة أن “العملية تجري في ظل حرب شاملة وانهيار كامل في مؤسسات الدولة والبنية التحتية للعمل النقابي، مما ينفي أي إمكانية لإجراء انتخابات عادلة أو نزيهة”.
انتهاك للحقوق وتحايل على إرادة العمال
واتهمت التنسيقية السلطات بـ”استمرار انتهاكها لحقوق العمال”، من خلال “عدم الإيفاء بسداد الرواتب، والاستقطاع منها دون وجه حق، واستخدامها لدعم المجهود الحربي”، معتبرة ذلك “انتهاكًا صارخًا للقوانين المحلية والدولية”.
وحذرت من أن أي عملية تنظيمية تُنفذ تحت وصاية السلطة الحالية “ستكون باطلة”، ودعت كافة اللجان النقابية لرفض ومقاطعة القرار، مع إطلاق حملة دولية لكشف محاولات “اختطاف التمثيل النقابي”.
لجنة المعلمين: عودة “سماسرة” النقابات ونهب المرتبات
وفي ذات السياق، أصدرت لجنة المعلمين السودانيين بيانًا نارياً وصفت فيه عودة النقابات القديمة بأنها “عودة لأهل القبور”، واتهمت “سماسرة العمل النقابي” بممارسة الاستقطاعات من مرتبات المعلمين بولاية نهر النيل، رغم أن الكيانات التي ينتمون لها “تم حلها قانونًا منذ سنوات”.
وأكدت اللجنة أن المعلمين تعرضوا لخصومات تراوحت بين 4 إلى 8 آلاف جنيه خلال شهري فبراير ومارس 2025، باسم اتحاد مهني ومع هيئة نقابية تم حلهما بقرارات رسمية منذ 2019 و2020. ووصفت هذا التصرف بأنه “استغلال فج للحرب لتحقيق مكاسب شخصية وتنظيمية، ونهب مباشر لأموال العاملين”.
ودعت اللجنة العاملين والمعلمين إلى رفض هذه الاستقطاعات غير القانونية، و”عدم السماح للحرب أن تكون غطاءً لعودة النقابات التي لفظها التاريخ”، مشيرة إلى أن “التجارب أثبتت أن هذه الكيانات لا تتعلم شيئًا ولا تنسى مصالحها”.
معركة مزدوجة: بين الحرب والانقضاض على المكتسبات
تعكس هذه المواقف حجم التحديات التي تواجه الحركة النقابية السودانية في ظل تدهور أمني واقتصادي حاد. فبينما تعاني المؤسسات من الانهيار، وتعيش غالبية القوى العاملة في ظروف نزوح ولجوء وفقر مدقع، تسعى السلطة للسيطرة على أدوات التمثيل العمالي والنقابي، تمهيدًا لإعادة إنتاج نظام مركزي يتحكم في مصير النقابات والاتحادات.
ويخشى مراقبون أن تؤدي مثل هذه الخطوات إلى تعميق حالة العزلة بين السلطة والمجتمع المهني، وتحويل النقابات من منابر للدفاع عن الحقوق إلى أدوات للشرعنة السياسية وتصفية الخصوم.
العمل النقابي في مفترق طرق
البيانات الصادرة تعكس يقظة جزء من الحراك المهني والنقابي، لكنها أيضًا تشير إلى حجم المعركة القادمة من أجل الحفاظ على استقلالية العمل النقابي ومقاومة عسكرة الحياة المدنية.
ففي بلد تشتعل فيه الحرب وتتآكل فيه مؤسسات العدالة والرقابة، تبقى النقابات الحرة المستقلة واحدة من آخر خطوط الدفاع عن كرامة المواطنين وحقوقهم، وسط محاولات حثيثة لإخضاعها تحت لافتات الدعم الحربي والولاء السياسي.
وتنشر صحيفة “التحول” نص بيان تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية لأهميته:
تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية
بيان حول توجيه مسجل عام تنظيمات العمل رقم (1) لسنة 2025
اطلعت تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية على التوجيه الصادر من مسجل عام تنظيمات العمل بوزارة العدل بتاريخ 6 أبريل 2025، بشأن بدء إجراءات مراجعة وتوفيق أوضاع المكاتب التنفيذية لنقابات العمال، تمهيداً لانطلاق الدورة الانتخابية الجديدة في مدة اقصاها اسبوعين.
وإذ نعبر عن قلقنا العميق حيال هذا القرار، نود توضيح الآتي لجموع العمال السودانيين وللرأي العام المحلي والدولي:
▪ يأتي هذا القرار في ظل حرب شاملة ومستعرة تشهدها البلاد، تسببت في تشريد ملايين السودانيين، ونزوح الآلاف من العمال والمهنيين من مناطقهم، وانهيار مؤسسات الدولة، بما في ذلك البنى التحتية للنقابات. فكيف يمكن إجراء انتخابات نقابية نزيهة وعادلة في ظل غياب أبسط مقومات العدالة والشفافية والتمثيل المتكافئ؟
▪ إن تحديد فترة أسبوعين فقط لتنفيذ هذا القرار يعكس نية مبيتة من قبل السلطات لإتمام عملية شكلية وسريعة، تهدف لإضفاء شرعية زائفة على كياناتها الموالية، دون إتاحة أي فرصة حقيقية للممارسة الديمقراطية أو لمشاركة القواعد العمالية. وتكشف هذه العجلة عن رغبة في خلق “نقابات صورية” تخدم أجندة السلطة في الداخل وتستخدمها كغطاء للتمثيل الخارجي. الأمر الذي يعد تزويراً لإرادة العمال، ويؤدي إلى سلبهم حقوقهم السياسية والمهنية.
▪ لقد تمادت السلطات في انتهاك حقوق العمال، بدءًا من عدم الإيفاء بسداد رواتبهم بشكل منتظم مرورا بالاستقطاع من تلك الرواتب دون وجه حق، وصولاً إلى استخدامها في دعم مجهودها الحربي بدلاً من تحسين أوضاعهم المعيشية والوظيفية. وهو أمر نرفضه تماماً ونعتبره انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.
▪ نُحذر من أن أي عملية انتخابية أو مراجعة تنظيمية تُنفذ تحت وصاية أو إشراف السلطة الحالية، دون مشاركة حقيقية من قواعد العمال في القطاعات المختلفة، بانها ستكون باطلة ولا تمثل الإرادة الحرة للعمال.
وبناءً عليه، فإن تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية تُعلن ما يلي:
▪ رفضاها الكامل لهذا القرار في صيغته الحالية، وتطالب بتعليق أي إجراءات تنظيمية أو انتخابية إلى حين عودة الاستقرار وتهيئة بيئة حرة وآمنة للعمل النقابي.
▪ تدعو كافة التنظيمات النقابية واللجان التمهيدية والجمعيات العمالية لمقاطعة هذا القرار وعدم التعاون مع أي لجان تشكلها السلطة الحالية.
▪ الشروع فوراً في حملة دولية وإقليمية لفضح محاولات السلطات الحالية لاختطاف التمثيل النقابي السوداني، والاتصال بالاتحادات النقابية الإقليمية والدولية لإيصال صوت العمال السودانيين الحقيقي.
▪ إطلاق جبهة موحدة لتمثيل العمال السودانيين في الخارج والداخل، تعبر عن تطلعاتهم وتدافع عن حقوقهم وتعمل على رصد الانتهاكات المستمرة بحقهم.
▪ مواصلة توثيق كل انتهاكات الحقوق النقابية والعمالية، وتقديمها للجهات العدلية والإقليمية والدولية المختصة.
▪ختاماً، نؤكد أن الحركة النقابية السودانية وُلدت من رحم النضال، ولن تنكسر أمام محاولات الإخضاع والتزييف. وسنواصل نضالنا حتى تُستعاد نقابات حرة، ديمقراطية، تمثل إرادة العمال والسودانيين، وتدافع عنهم لا عن السلطات.
#العمالاصحابالحق
المكتب التنفيذي
١٠ أبريل ٢٠٢٥

كما تنشر صحيفة “التحول” نص بيان لجنة المعلمين السودانيين:
لجنة المعلمين السودانيين
بيان
حول عودة نقابات النظام المباد (خيال المآتة) لسرقة مرتبات العاملين.
أطل علينا سماسرة العمل النقابي، بوجهم القبيح مرة أخرى،
وهم يمارسون عادتهم القديمة في ( شفشفة) مرتبات عمال التعليم بولاية نهر النيل.
فقد عادوا لمزاولة عادتهم، في ابتكار الخصومات، وللعجب أننا لم نسمع لهم دفاعا عن الحقوق العاملين، ولكنهم سباقون في النهب من المرتبات تحت مسميات مختلفة.
قد بلغت الاستقطاعات من مرتب المعلم خلال الشهرين السابقين (فبراير _مارس) ما بين إربعة إلى ثمانية ألف جنيه شهريا، باسم الاتحاد المهني للمعلمين والهيئة النقابية لعمال التعليم بولاية نهر النيل.
من المعلوم أن هاتين الهيئتين _ الفاسدتين_ قد تم حلهما بانتهاء أجلهما في 2019و 2020 التتابع، وصدر قرار من مسجل عام تنظيمات العمل يحمل الرقم 20 لسنة 2020م بإعلان انتهاء أجل دورة الاتحاد المهني للمعلمين.
إن استغلال الحرب التي تقطع اوصال البلاد لتحقيق مكاسب شخصية، أو تنظيمية وإعادة الآلة الجهنمية لنهب العاملين، عبر مسميات قبرها العاملون وحلها القانون بانتهاء اجلها، لهو تجني على حرمة مرتبات العاملين،.واستغلال لأجواء الحرب، والتخفي خلف زيف دعم القوات المسلحة، ونحن نعلم يقينا، أن هؤلاء لا يدعمون إلا مصالحهم، وقد أكدت التجارب أنهم لا ينسون شيئا ولا يتعلمون شيئا.
نحن في لجنة المعلمين السودانيين، ندعوا العاملين بولاية نهر النيل عامة، والمعلمين على وجه الخصوص، إلى رفض هذه الاستقطاعات غير القانونية، وعدم السماح لسماسرة العمل النقابي بالعودة علي ظهر هذه الحرب اللعينة،
وألا نسمح بان تكون الحرب سببا في عودة اهل القبور، فعجلة التاريخ لاتدور إلى الخلف.
مكتب الإعلام
٩ أبريل ٢٠٢٥م
#لاللحربمجدا_للسلام
#مرتباتالمعلمينقضية_حياة.