spot_img

ذات صلة

جمع

الكوادر الطبية في مرمى النيران: اغتيال 230 واعتقال أكثر من 30 طبيب واغتصاب 9 طبيبات في السودان

بورتسودان: التحول في سياق الحرب المدمرة التي دخلت عامها الثاني،...

“أحياناً نجمع عظاماً”.. متطوعون ينتشلون جثثاً “من كل مكان” بالخرطوم

الخرطوم: التحول منذ استعادة الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم الشهر...

مركزية الكنابي: مقتل وإصابة 3 أشخاص باطلاق نار من قبل قوات درع السودان

أعلنت مركزية مؤتمر الكنابي عن مقتل امرأة وإصابة اثنتين...

الانهيار الأمني والإنساني في جنوب السودان وتهديدات بعودة الحرب ومبادرة جديدة لـ”حكماء إفريقيا”

جوبا: التحول

في ظل أزمة سياسية متفاقمة، وانهيار أمني متسارع، يجد جنوب السودان نفسه اليوم أمام تهديدات حقيقية بإعادة الانزلاق نحو حرب شاملة لا تحتملها البلاد ولا المنطقة. المواجهات المسلحة الأخيرة، التي اندلعت شرارتها في ولاية أعالي النيل، تعيد إلى الأذهان مشاهد الصراع الدموي الذي شهدته البلاد في 2013 و2016، والذي أودى بحياة مئات الآلاف، وأدى إلى نزوح الملايين. ومع اتساع نطاق العنف، تعمّقت الأزمة الإنسانية، وسط تحذيرات أممية من كارثة وشيكة قد تُفاقمها التحديات الإقليمية، خصوصاً تداعيات الصراع المستمر في السودان المجاور.

الاتحاد الإفريقي يبعث لجنة حكماء:

وأعلن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، عن إرسال وفد رفيع المستوى من “لجنة الحكماء” التابعة للاتحاد الإفريقي، إلى جنوب السودان، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى تهدئة التوترات وتعزيز الحوار في البلاد.

وذكرت مفوضية الاتحاد الإفريقي، في بيان لها، أن قرار إرسال فريق الوساطة جاء بعد محادثات مباشرة بين رئيس المفوضية ورئيس جنوب السودان سلفا كير، تناولت تطورات المشهد السياسي وأحداث العنف الأخيرة في منطقة ناصر.

وسبق أن أرسل الاتحاد الإفريقي لجنة الحكماء بقيادة رئيس اللجنة الرئيس البوروندي السابق دوميتيان ندايزي، مع بداية التوترات بداية هذا الشهر، وأكد في تصريحات سابقة التزام الاتحاد الأفريقي بتعزيز الحوار والمصالحة لتحقيق السلام الدائم في جنوب السودان، إلا أن مساعيه باءت بالفشل ولم يتمكن من لقاء رياك مشار في مقر الإقامة الجبرية التي وضع فيها.

وبعد وقت قصير من استقلاله عن السودان في عام 2011، دخل جنوب السودان في حرب أهلية أواخر عام 2013 أودت بحياة قرابة 400 ألف شخص وتسببت في نزوح نحو 1.8 مليون آخرين داخليا، وفرار 2.5 مليون إلى البلدان المجاورة.

وفي عام 2018 بعد انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات، شكل الرئيس سلفاكير ومنافسه رياك مشار حكومة انتقالية، واتفقا على توحيد الجهود في ظل جيش واحد.

مواجهات بين فرقاء السلطة

بحسب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان، نيكولاس هايسوم، فإن الصراع بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار قد تصاعد من حالة توتر سياسي إلى مواجهة عسكرية مباشرة. فالمعارك التي بدأت في ولاية أعالي النيل في مارس الماضي، بعد هجوم “الجيش الأبيض” على حامية ناصر، اتسعت بشكل مقلق وشهدت غارات جوية استخدمت فيها، بحسب مزاعم، عبوات حارقة تسببت في خسائر بشرية جسيمة، بينهم نساء وأطفال.

الاشتباكات ترافقت مع موجة نزوح جماعي قُدّر عددها بأكثر من 80 ألف شخص حتى الآن، فيما عبّر هايسوم عن قلقه من تقارير تفيد بتجنيد قسري للأطفال، ونشر قوات أجنبية – بينها وحدات أوغندية – داخل الأراضي الجنوبية بطلب من الحكومة.

فقدان الثقة وتراجع المسار السياسي

اعتقال النائب الأول للرئيس، رياك مشار، اعتُبر مؤشراً خطيراً على الانهيار المتسارع لثقة الأطراف الموقعة على اتفاق السلام لعام 2018. هايسوم وصف المشهد بأنه “تذكير قاتم” بصراعات الأعوام السابقة، مشدداً على ضرورة تدخل مجلس الأمن لدفع الأطراف إلى الحوار، والإفراج عن المعتقلين، وإعادة الالتزام بوقف إطلاق النار.
و
في غضون ذلك قال المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، فال ماي دينق، بحسب “راديو تمازج” إن قوات الأمن اعتقلت كوج دينق ميار، رئيس المجلس التشريعي لولاية واراب ورئيس الحزب في الولاية، وأعضاء آخرين في عاصمة الولاية،

وفي سياق تطورات الأحداث اختارت مجموعة أعضاء الحركة في جوبا الأسبوع الماضي تكليف استيفن فار كول، وزير بناء السلام، رئيسا مؤقتا للحركة.
واجتمع كول مع وفد من “القيادة المؤقتة” للحركة الشعبية مع الرئيس سلفاكير بشأن بحث ملف السلام في جنوب السودان وفق الاتفاق الموقع في عام 2018م.

وأوضح كول أنه سيشغل هذا المنصب إلى حين إطلاق سراح مشار. ومع ذلك، شاب هذا التطور انقسام داخلي عميق داخل الحركة، حيث قاطع الاجتماع الذي تم فيه تأسيس القيادة المؤقتة عدد من كبار المسؤولين في الحركة، بينهم وزيرة الداخلية أنجلينا تينج.

“كابوس” يلوح في الأفق

وصفت مديرة العمليات في أوتشا، إديم ووسورنو، الوضع الإنساني في جنوب السودان بأنه “كابوس إنساني”، محذّرة من أن الأزمة السياسية ستُترجم سريعاً إلى كارثة إن لم يتم احتواؤها. أرقام الأمم المتحدة تظهر أن 9.3 مليون شخص، أي ما يعادل 75% من السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما يواجه 7.7 مليون شخص الجوع الشديد، ويُتوقع أن يُصاب 650 ألف طفل بسوء التغذية الحاد هذا العام.

أكثر من مئة حادثة إعاقة للعمل الإنساني تم توثيقها منذ بداية 2025، بينها أعمال نهب وهجمات مسلحة أجبرت على إغلاق ستة مرافق صحية، منها مستشفى أولانق الذي كان يخدم 174 ألف شخص.

عبء إضافي على بلد هش

الحرب المستعرة في السودان تركت بصماتها الثقيلة على جنوب السودان. فمع تدفق أكثر من 1.1 مليون لاجئ وعائد، تتعرض المناطق الحدودية لضغط هائل على الخدمات، وسط بنى تحتية متدهورة أصلاً. النساء والفتيات اللاجئات يواجهن مخاطر متزايدة من العنف الجنسي، في وقت يستمر فيه تفشي الكوليرا، الذي أصاب 49 ألف شخص وأودى بحياة أكثر من 900، رغم حملات تطعيم طالت 5.2 مليون نسمة.

التحديات الدولية:

في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الأممية، كشفت وثائق مسربة أن وزارة الخارجية الأمريكية تدرس تقليص بعثاتها الدبلوماسية، وقد يشمل ذلك إغلاق سفارة الولايات المتحدة في جنوب السودان، في إطار مقترح تقشفي قدمه مستشار البيت الأبيض إيلون ماسك. هذه الخطوة المحتملة تثير مخاوف من تراجع الدعم الدولي لجمهورية جنوب السودان البلد الذي يقف على حافة الهاوية.

توترات أمنية وتهديد بعودة الحرب
وتشهد عدة ولايات في جنوب السودان، خاصة ولايتي واراب وأعالي النيل، تصاعداً في أعمال العنف الأهلي والنزاعات المسلحة بين جماعات قبلية ومليشيات محلية. وتتهم السلطات جماعات مسلحة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، بينما تشير منظمات حقوقية إلى ضعف آليات حماية المدنيين وتزايد حالات النزوح الداخلي.

وقد حذرت منظمات محلية ودولية من أن الاحتقان المتزايد، وتدهور الأوضاع المعيشية، وانعدام الثقة بين الفاعلين السياسيين، عوامل قد تعيد البلاد إلى دوامة الحرب.

أنيتا كيكي قبيهو منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في جنوب السودان ــ راديو تمازج

الانهيار الصحي – الكوليرا نموذجاً
من جهتها حذرت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في جنوب السودان، أنيتا كيكي قبيهو، التي زارت مؤخرا ملكال، عاصمة ولاية أعالي النيل، من أن تصاعد العنف يجب أن يتوقف، خاصة وأنه يأتي في وقت يتضاءل فيه التمويل الإنساني، وتتزايد الاحتياجات الملحة، ليس فقط في أعالي النيل، لكن في جميع أنحاء جنوب السودان.

وخلال وجودها في ملكال، التقت قبيهو بالمجتمعات المتضررة من النزاع وحاكم ولاية أعالي النيل ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وممثلي المجتمع المدني لتقييم الوضع الإنساني وتنسيق الاستجابة. كما زارت مركزا لعلاج الكوليرا.

وقالت “يجب على جميع الأطراف الضالعة في العنف الامتناع عن إيذاء السكان، بمن فيهم العاملون في المجال الإنساني الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم لتقديم المساعدة”.

وعلقت أطباء بلا حدود، الخدمات في مستشفى أولانق الذي يمثل شريان حياة لـ 174 ألف شخص، بعد عمليات نهب واسعة النطاق لعدة مرافق في المنطقة. ولا يزال الوصول الإنساني مقيدا، والإمدادات الطبية الحيوية تنفد وسط تفشي الكوليرا الذي أودى بحياة 919 شخصا، وأصاب ما يقرب من 49 ألفا آخرين.

يذكر أن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025 لجنوب السودان لم تُمَوَّل إلا بنسبة 12.6٪ فقط.

من جهة أخرى شهدت ولاية واراب تفشياً واسعاً لوباء الكوليرا، وسط غياب شبه تام للرعاية الصحية الأساسية. وقد توفي أكثر من 50 شخصاً خلال الأسابيع الماضية، معظمهم من الأطفال وكبار السن، فيما تشير التقارير إلى تسجيل مئات الحالات المؤكدة والمشتبه بها.

الوضع تفاقم بعد تعليق خدمات مستشفى أولانق، وهو المركز الصحي الوحيد في المنطقة، نتيجة لانعدام الوقود اللازم لتشغيل المولدات، ونقص الإمدادات الطبية، ونزوح الطواقم الطبية بسبب انعدام الأمن. وتعرضت منشآت طبية أخرى للنهب، مما حرم آلاف المرضى من الحصول على العلاج، خاصة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والسل، والنساء الحوامل.

كارثة إنسانية وسط ضعف الاستجابة
النازحون في المناطق المتأثرة بالكوليرا يعيشون في أوضاع قاسية تفتقر إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، ما يزيد من خطر انتشار الأمراض. وقد أطلقت السلطات المحلية نداءات استغاثة عاجلة إلى الحكومة الانتقالية والمنظمات الإنسانية، دون أن تلقى استجابة كافية حتى الآن.

ويواجه عمال الإغاثة تحديات كبرى في الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب انعدام الأمن، وسوء البنية التحتية، ونقص التمويل.

استهداف المنشآت الطبية
تمثل الاعتداءات على المرافق الصحية والطواقم الطبية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي ينص على حماية العاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية حتى أثناء النزاعات المسلحة. ويجب فتح تحقيق مستقل في حوادث نهب المستشفيات وتعطيل خدماتها، ومحاسبة الجناة.

خاتمة: إن الوضع الراهن في جنوب السودان ينذر بكارثة إنسانية وصحية وأمنية وشيكة، ويستدعي تحركاً فورياً من قبل جميع الأطراف، المحلية والدولية، لمنع انهيار شامل قد يجر البلاد مجدداً إلى أتون الحرب والمعاناة الجماعية.

spot_imgspot_img