بحري: التحول
قتل عشرات الأشخاص يومي الأربعاء والخميس، معظمهم من النساء والأطفال، في حي “المزاد” أحد أكبر أحياء مدينة الخرطوم بحري شمال الخرطوم بعد هجمات جوية وتبادل عنيف للقصف المدفعي بين قوات الدعم السريع والجيش.
وتأتي هذه المواجهات في إطار محاولة الجيش استعادة السيطرة على مقر سلاح الإشارة الاستراتيجي جنوب المدينة.
شهادات السكان
ونقل موقع “سكاي نيوز عربية” إفادات من شهود عيان إن مربعات سكنية سويت معظم منازلها بالأرض تماما، مشيرين إلى تفحم الكثير من الجثث، فيما أكد سكان اختفاء العشرات من جيرانهم وسط مخاوف من وجود الكثير من الجثامين تحت أنقاض المساكن والمباني المهدمة بفعل القصف العنيف.
ووفقا لأحد شهود العيان فإن 9 من جيرانه قتلوا داخل بيوتهم التي عادوا لها بعد تقدم الجيش في منطقة الخرطوم بحري في سبتمبر الماضي.
وقال سعيد صالح الذي يسكن في أحد الأحياء القريبة من منطقة المزاد إن القصف كان عنيفا وأحدث انفجارات ضخمة تصاعدت بعدها أعمدة الدخان وسط هلع شديد من السكان.
وأكدت إحدى سكان المنطقة التي فضلت عدم كشف هويتها، أن العديد من الجثامين تقطعت واختلطت ببعضها البعض، فيما ظهرت أجزاء من جثامين محترقة تشوهت تماما ولم يعد من الممكن التعرف على هوية أصحابها.
معارك عنيفة
ومنذ أكثر من 4 أشهر تتواصل المعارك العنيفة في منطقة الخرطوم بحري التي تضم عدد من المنشآت العسكرية الاستراتيجية التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع منذ الأيام الأولى لاندلاع القتال في منتصف ابريل 2023.
وشهدت الساعات الماضية احتداما كبيرا في المعارك وسط تقارير تتحدث عن استخدام مواد شديدة الانفجار في الأحياء السكنية في ظل تزايد ملحوظ في الغارات الجوية.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان إن مضاداتها تمكنت من إسقاط طائرة إيرانية من طراز “شاهد 29” أثناء عملية قتالية لها في المدينة.
ومنذ أكتوبر وحتى الآن، قتل في الهجمات الجوية التي نفذها طيران الجيش، أكثر من 2000 شخص في دارفور والعاصمة الخرطوم والجزيرة في وسط البلاد، وفقا لتقديرات تضمنتها بيانات صادرة عن هيئات حقوقية من بينها المرصد المركزي لحقوق الإنسان ومجموعة محامو الطوارئ وهيئة محامو دارفور.
وقدرت منظمة متخصصة في تتبع بيانات النزاعات في العالم “اسليد” عدد الهجمات الجوية التي نفذها طيران الجيش منذ مطلع 2024 بنحو 703 هجمة.
وتتدهور الأوضاع الإنسانية في منطقة الخرطوم بحري بشكل خطير، وقالت لجان طوارئ شبابية إن العشرات من العائدين إلى المنطقة يموتون بسبب القصف ونقص الغذاء وانتشار الأمراض المعدية في ظل انهيار كامل للنظام الصحي، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في المدينة.
شهدت عدد من مدن ولاية الخرطوم معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع استخدم الطرفين الأسلحة الثقيلة وتبادلا القصف المكثف بالمدفعية والمسيرات من قبل الدعم السريع والطيران الحربي من قبل الجيش.
ونقل شهود عيان في تسجيلات صوتية بثوها عبر تطبيق “واتساب” عن مقتل عدد من سكان حي المزاد شمال جراء غارات جوية أكثرهم من النساء، بينهم أسر بأكملها في منزلين متجاورين على تفحمت جثث الضحايا لدرجة استحال فيها التعرف على هوياتهم.
وشهدت مدينة بحري شمال الخرطوم اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ فجر اليوم، وشن الجيش هجوما مكثفاً ومتواصلاً على قوات الدعم السريع بضاحية شمبات وسط بحري.
وذكر الشهود أن طيران الجيش القى براميل متفجرة على منازل تقع بشارع 10 غربا، مما اسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين وإصابة أخرين.
قناصة على أسطح المنازل:
من جهتها إدانت لجنة “محامو الطوارئ” بأشد العبارات القصف العشوائي الذي نفذه الجيش، والذي يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وكذلك مبدأ التناسب في استخدام القوة. كما استنكرت بشدة ممارسات قوات الدعم السريع باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهو ما يعد انتهاكًا فاضحًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وأكدت “محامو الطوارئ” في بيان تحصلت عليه صحيفة “التحول” إنّ استمرار استهداف المدنيين من قبل جميع أطراف النزاع، سواء عبر الهجمات الجوية أو المدفعية الثقيلة، يساهم في تفاقم الوضع الإنساني بشكل خطير ويعرض حياة الأبرياء لخطر مباشر.
وطالبت اللجنة الحقوقية بالوقف الفوري لكافة أشكال القصف العشوائي والهجمات على المدنيين، ودعت في ذات الوقت إلى فتح ممرات إنسانية آمنة لإجلاء المدنيين العالقين في مناطق القتال، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى المناطق المحاصرة.
وأشارت إلى أن المدنيين في أحياء وسط وجنوب بحري من ظروف إنسانية كارثية جراء الحصار المفروض من كلا طرفي النزاع، مما أدى إلى نقص حاد في مياه الشرب والمواد الغذائية.
وقالت إن السكان يواجهون مخاطر جسيمة بسبب انتشار القناصة على أسطح المباني واحتدام المعارك في منطقة شمبات، التي جعلت من هذه الأحياء ساحة حرب محاصرة من جميع الاتجاهات. لا توجد أي ممرات آمنة أو وسائل لحماية المدنيين من النيران العشوائية.
واتهمت قوات الدعم السريع بمنع المدنيين في أحياء جنوب بحري من مغادرة المنطقة، مما زاد من معاناتهم وأدى إلى تكدسهم في مناطق خطر دون إمكانية الوصول إلى مأوى آمن أو مساعدات إنسانية.