spot_img

ذات صلة

جمع

التطرف في تكييف علاقتنا بالدولة المصرية

صلاح شعيب من نافلة القول إن الإنسان السوداني متساوٍ مع...

رئيس سابق لمحكمة العدل ينتقد قرار المحكمة في شكوى السودان ضد الإمارات ويصفه بالمتسرع وغير القانوني

التحول: متابعات انتقد الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية، القاضي عبد...

شركات التعدين تتكفّل بحفر مصرف الخريف في وادي حلفا استعدادًا لموسم الأمطار

وادي حلفا: التحول في إطار التحضيرات المبكرة لفصل الخريف، أعلنت...

الحرب المنسية: انهيار اقتصادي وتدمير ممنهج للإنسان ومقومات الحياة

عمر سيد أحمد

المقدمة

منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربًا مدمّرة لا يبدو لها نهاية قريبة. تحوّلت من نزاع مسلح إلى إعصار دمّر مؤسسات الدولة وقطاعاتها الأساسية: الاقتصاد، الصحة، التعليم، وحتى الكيان المجتمعي نفسه. ومع اتساع رقعة العنف وتراجع الاهتمام الدولي، أصبحت هذه الحرب واحدة من أسوأ الكوارث في العالم اليوم، لكن دون أن تحظى بالتغطية أو الاستجابة التي توازي حجم المأساة. إنها الحرب المنسية.

الزراعة: شريان الحياة يتوقف

قبل الحرب، شكّل القطاع الزراعي مصدر رزق مباشر لحوالي 80% من سكان السودان. لكن النزاع دمّر هذا القطاع على نطاق واسع. تشير تقارير دولية إلى أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية خرجت من الخدمة، خاصة في الجزيرة وسنار وكردفان ودارفور [^1][^3].

أبرز عوامل الانهيار شملت النزوح، نقص الوقود، انعدام البذور والأسمدة، انعدام التمويل، الجفاف في بعض المناطق، والفيضانات في أخرى. توقف شبه كامل لمشروع الجزيرة ألحق أضرارًا مباشرة بإنتاج القطن والقمح والفول السوداني، وتُقدّر الخسائر الزراعية المباشرة بنحو 20 مليار دولار.

حتى مارس 2025، لا توجد مؤشرات جدية للتعافي. أكثر من 60% من المزارعين لم يزرعوا موسم 2024. الإمدادات الزراعية لم تصل، والأسواق مشلولة. في بعض المناطق، تلفت المحاصيل في الحقول بسبب انقطاع الطرق وغياب التخزين والتبريد.

الصناعة: انهيار بلا قاع

كانت الصناعة هشّة حتى قبل الحرب. ومع اشتداد النزاع، تضرر أو توقف ما بين 60% إلى 90% من المنشآت الصناعية وفق تقرير WASD[^2]. المصانع المتبقية تعطلت بسبب انقطاع الكهرباء، توقف الإمدادات، وانهيار سلاسل التوريد.

تُقدّر الخسائر بأكثر من 70 مليار دولار. كما تفككت شبكة العمالة وخرجت آلاف الأسر من دورة الإنتاج والدخل.

الصحة: انهيار القطاع وعودة الأوبئة

وصفت منظمة الصحة العالمية الوضع الصحي في السودان بأنه من بين الأسوأ عالميًا [^3]. أكثر من 70% من المنشآت الصحية خرجت من الخدمة. الحرب دمّرت البنية التحتية، فرّ العاملون أو قتلوا، والإمدادات الطبية شبه معدومة.

عادت الأمراض الوبائية  مثل الكوليرا، الملاريا، حمى الضنك، وسوء التغذية للانتشار، خصوصًا في معسكرات النزوح المكتظة. توقفت حملات التطعيم، مما يهدد ملايين الأطفال، خاصة في مناطق النزاع.

التعليم: جيل على حافة الضياع

أكثر من 19 مليون طفل وشاب حُرموا من التعليم، حسب تقارير اليونسكو [^4]. دُمرت آلاف المدارس أو تحولت إلى ملاجئ. الأزمة التعليمية تهدد بإنتاج جيل كامل خارج نطاق المستقبل، لا مجرد انقطاع أكاديمي.

القطاع المصرفي: من الضعف إلى الانهيار

قبل الحرب، كان القطاع المصرفي هشًا. ومع الحرب، انهار فعليًا. أكثر من 70% من فروع المصارف دُمّرت، خصوصًا في الخرطوم [^5]. هربت الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، وسط غياب كامل للتحول الرقمي والخدمات المصرفية الحديثة. وأصبح الاقتصاد الموازي يسيطر على نحو 90% من النشاط الاقتصادي.

تُعد معدلات الشمول المالي في السودان من بين الأدنى عالميًا، إذ لا يزال معظم السكان خارج النظام المصرفي. ومع تزايد الديون المعدومة (يُقدّر أنها تجاوزت 40%)، فقدت المصارف القدرة على الإقراض أو إدارة السيولة، مما عمّق أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية. ومع دخول الحرب عامها الثاالث، زادت الأزمة تعقيدًا مع ارتفاع معدلات الديون المتعثرة، التي تُقدّر بأنها تجاوزت 40%، مما جعل النظام المصرفي المعطوب والعاجز غير قادر على الإقراض أو إدارة الأموال وحتي مقابلة الاحتياجات اليومية لعملائه من السيولة النقدية وضرب ما تبقى من الثقة بين الجمهور والمؤسسات المالية.

التجارة الخارجية: التهريب يبتلع الموارد

مع توقف الزراعة وتراجع الثروة الحيوانية، انخفضت الصادرات بشكل حاد. في المقابل، انتعش التهريب، خاصة للذهب والمحاصيل، بمشاركة عناصر من مؤسسات نافذة [^6]. هذه الظاهرة حرمت الدولة من العملات الصعبة، وعطّلت التوازن التجاري.

بورتسودان: المسيرات تغلق المطار والميناء ومستودعات الوقود وتصيب الشريان الأخير للاقتصاد السوداني

بورتسودان، التي كانت تمثل آخر مركز إداري فاعل، دخلت دائرة الاستهداف. طائرات مسيّرة هاجمت الميناء، المطار، ومستودعات الوقود، ما أدى إلى شلل في الواردات والصادرات [^7].

بورتسودان، التي صمدت مؤقتًا كمركز إداري لحكومة الأمر الواقع، دخلت هي الأخرى دائرة النار.  هاجمت طائرات مسيّرة المطار، الميناء، ومستودعات الوقود، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الواردات والصادرات. لكن حجم الأثر تجاوز مجرد التعطيل المؤقت، إذ استهدفت الهجمات مستودعات ترانزيت القديمة والمستودعات الجديدة في كلانييب، وهي منشآت تمثل الشريان الرئيسي لإمداد البلاد بالوقود. تحتوي هذه المواقع على المرسى الوحيد القادر على استقبال سفن الوقود الكبيرة، وتضم سعة تخزينية تقارب 200 ألف طن من المحروقات. الهجمات استهدفت مرافق حيوية لتخزين الوقود، ما أوقف عمليات تفريغ الشحنات، ورفع أسعار الوقود. كما تسبب القصف في تدمير البنية التحتية وتعطيل الاستيراد والطيران. الأضرار التي لحقت بها أدت إلى توقف عمليات تفريغ شحنات النفط، ودفعت بأسعار الوقود إلى مستويات قياسية، وهددت بإخراج البارجة التركية التي تمد المدينة بالكهرباء عن الخدمة بسبب انعدام الفيرنس. كما أن استهداف الميناء الجنوبي والمطار ألحق أضرارًا بالبنية التحتية الحيوية، ما أدى إلى تعطيل الاستيراد، وقف الرحلات الجوية، وتزايد العزلة الدولية للبلاد.

ورغم صعوبة إجراء حصر دقيق في ظل تصاعد القتال، فإن المؤشرات الاقتصادية تفيد بأن الخسائر المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن استهداف منشآت الطاقة والموانئ في بورتسودان تُقدّر بمليارات الدولارات، نتيجة تعطل سلاسل التوريد، انهيار سعة التخزين، وارتفاع تكاليف النقل والتأمين والاستيراد. توقف هذه المنشآت يعني تدمير آخر شريان حيوي للاقتصاد السوداني، وتحويل الأزمة من كارثة داخلية إلى عزلة خارجية خانقةو يجعل هذه الهجمات تهديدًا مباشرًا لبقاء الاقتصاد السوداني.

تشير التقديرات إلى أن الخسائر الناتجة عن استهداف منشآت الطاقة والموانئ تُقدّر بمليارات الدولارات، ما

المأساة الإنسانية: أرقام تُجمد الدم

  • 12.8 مليون نازح ولاجئ.
  • أكثر من 30 مليون شخص بحاجة للمساعدة.
  • 16 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. [^3]

الخدمات الأساسية منهارة، والوصول للغذاء والماء والدواء أصبح مسألة حياة أو موت. هذه الأرقام ليست إحصاءات، بل مرآة لانهيار مجتمع.

خاتمة: قبل فوات الأوان

لا يملك السودان ترف الوقت ولا مساحة لمزيد من التجريب. الحرب دمّرت الدولة ومزّقت المجتمع. لا تعافٍ ممكن ما لم تتوقف الحرب فورًا. استمرار القتال يعني نهاية دولة . والمأساة الكبرى أن كل هذا يحدث والعالم صامت. لكن الشعب السوداني لن ينسى، والتاريخ سيسجل من صمت ومن حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

السودان ينهار أمام أعين العالم. الحرب لم تترك قطاعًا إلا دمّرته، ولا مدينة إلا أصابتها. لا توجد خطة إنقاذ يمكن أن تنجح ما لم يتوقف النزاع فورًا. كل يوم تأخير يعني خسائر مضاعفة، ليس فقط في الاقتصاد، بل في الأرواح .

المصادر

[^1]: Sudan Horizon. (2025). Two Years of War and the Possibility of Reconstruction. https://sudanhorizon.com

[^2]: WASD. (2025). Rebuilding the Industrial Sector in Sudan. https://wasdlibrary.org

[^3]: WHO. (2025, March 10). Public Health Situation Analysis – Sudan Conflict. https://www.who.int

[^4]: UNESCO. (2025). Sudan conflict: One year on – The long-term impact on education. https://www.unesco.org

[^5]: Bastille Post. (2024). Sudan’s conflict pushes banking sector to brink of collapse. https://www.bastillepost.com

[^6]: SudanEvents. (2025). Decline in Sudan’s Exports and Imports: War and Wrong Policies. https://www.sudanevents.sd

[^7]: Reuters. (2025, May 6). Drone strikes pound Port Sudan, putting aid deliveries at risk. https://www.reuters.com

مايو/ 2025م

spot_imgspot_img